×
محافظة المنطقة الشرقية

مواطناً يعيد «13» قطعة أثرية لهيئة السياحة والآثار ببيشة

صورة الخبر

دعا مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور عبد اللطيف دريان إلى «استبدال مفهوم تلاقي الحضارات بمفهوم صراع الحضارات»، متسائلاً: «ما هي المصلحة الإسلامية في ما يقوم به بعضهم من نشر العنف في بلاد الاغتراب باسم الدين؟» واعتبر المفتي دريان أن «الاعتدال قوة لأنه موقف إسلامي وديني يمثل اتجاه الغالبية العظمى من المسلمين وغير المسلمين». وقال في حديث إلى «الحياة» عشية مغادرته إلى لندن في زيارة هي الأولى لمفتي الجمهورية منذ عقود: «علينا رغم كل ما نعانيه من تصاعد موجات الإرهاب التصدي لتحريف المفاهيم». وأكد أنه من دعاة تجديد الخطاب الديني في مواجهة «التكفير العشوائي». واعتبر أن «ليس هناك من مفاهيم قديمة وأخرى جديدة للدين الإسلامي». وهنا نص الحوار: > قلت سماحتك في خطاب التنصيب في أيلول (سبتمبر) الماضي إن الاعتدال ليس ضعيفاً، أليس توالي الجرائم الإرهابية باسم الدين دليلاً على أن التطرف لديه أرضية قوية في صفوف بعض الشباب قياساً إلى اعتدالكم؟ - منذ أن تسلمنا منصب الإفتاء في الجمهورية اللبنانية ونحن نعمل بجد لإظهار سماحة الدين الإسلامي ووسطيته واعتداله، ومنذ ذلك، وبالأخص في حفل التنصيب توجهت بالخطاب إلى الداخل اللبناني والعالم العربي بأن مسيرتنا ستكون من أولوياتها مواجهة الغلو والتطرف والإرهاب بالتعاون مع المرجعيات الدينية كافة في لبنان وفي العالم العربي، ولا شك في أن باستقراء الواقع الذي نمر به في منطقتنا العربية لا بل في العالم، نجد تصاعد حدة التطرف والإرهاب. وأمام حدة ممارسات الجماعات المتطرفة نادينا برفع صوت الاعتدال ودعونا إلى السير بنهجه، وقلنا وما زلنا نقول إن الاعتدال ليس ضعفاً بل هو منهج للمواجهة الشاملة بوجه نزعات التطرف والتشويه لصحيح الدين والممارسات الإرهابية، والموقف الاعتدالي هذا بوجه الهجمة الشرسة الإلغائية الإقصائية للآخر المختلف، يعبر عن التزام ومنهج وقوة لأنه المعبر عن صحيح الدين وثوابته. نحن لدينا فقه لصحيح المفاهيم الدينية، وفقه للعيش في ما بيننا ومع مواطنينا ومع العالم، وبالفعل لا بالقول فقط يكون الاعتدال قوة إذا تضافرت كل جهود المخلصين الذين يؤمنون بهذا المنهج الذي هو في الحقيقة منهج حياة إيماني وإسلامي وديني عام. نعم الاعتدال قوة لأنه موقف إسلامي وديني عام وهو يمثل اتجاه الغالبية العظمى من المسلمين وغير المسلمين الرافضين للعنف والإرهاب، وما يمارس باسم الدين أو المذهب من ممارسات أقل ما يقال فيها إنها ممارسات سيئة تتنافى مع قيم الأديان السمحة. وقوة الاعتدال لا يضعفها أبداً حدوث الجرائم الإرهابية باسم الدين، ولا يضعفها أيضاً إن وجدت بعض هذه الجماعات أرضية لها في بعض بلداننا العربية، إذ إن قوة الاعتدال يعبر عنها إجماع المسلمين وأتباع الأديان من خلال المؤتمرات وورش العمل التي تقام من أجل مواجهة فكر هذه الجماعات، التي ترتكب ما ترتكبه مدعية أن كل ذلك باسم الدين ومدعية بأنها تتقرب إلى الله بأفعالها المقيتة. ولا شك في أن الاعتدال يكون بالفعل قوياً إن وضعنا المقررات الصادرة عن المؤتمرات التي أقيمت والتي ستقام لمواجهة التطرف قيد العمل الجدي والتنفيذ الفعلي.علينا جميعاً ألاّ نكتفي فقط من خلال المؤتمرات والندوات بإصدار البيانات، وعقب أي حادث إرهابي وإجرامي بإصدار البيانات الشاجبة فقط، بل علينا متابعة هذه البيانات والمواقف والمقررات ووضعها موضع التنفيذ العملي لحماية شبابنا وأجيالنا من الفكر المتطرف. على رغم كل ما نعانيه من تصاعد موجات الإرهاب، علينا أن نعمل بجد من خلال المؤسسات الدينية والفكرية والمجتمع الأهلي على التصدي لتحريف المفاهيم، وعلى حماية شبابنا وأجيالنا بالإصلاح الجاد واحتضانهم، واستعادة الثقة بأنفسنا وبجمهورنا اللبناني والعربي لا بل والأوروبي والإنساني العام أيضاً الذي لا يقبل ولا يريد العنف والإرهاب من أي جهة أتى، لأن العنف والإرهاب لا دين لهما ولا طائفة ولا مذهب ومواجهتهما مسؤولية مشتركة من الجميع، لأنهما يطاولان بأفعالهما الجميع من دون تفرقة أو تمييز. والاعتدال قوة لأنه منهج عمل ومشروع الأمة ودينها، والتطرف والإرهاب ضعف لأنهما يعمدان إلى استهداف الأبرياء والآمنين، ولن تستطيع قلة الإساءة إلى مشروع ومنهج الأكثرية. مشكلة التكفير العشوائي > كيف يمكن تعويض ما فات المعتدلين والعلماء الذين يعتبرون الإسلام دين الوسطية في وقت استغله غلاة المتطرفين لتعبئة شرائح في المجتمع بالفكر التكفيري لمحاصرة هذا الفكر في المجتمعات الإسلامية وفي الاغتراب؟ - نعم، صحيح، فاتنا نحن المعتدلين والعلماء والمؤسسات الدينية والتعليمية الكبرى الكثير في شؤون التربية الدينية وفي التعليم وفي الفتوى وفي الرعاية الدينية في المساجد، لكن علينا أن ندرك الآن أنه تقع على عواتقنا مسؤوليات كبيرة في المجالات التي ذكرناها. علينا أن نتدارك ذلك، وفرص النجاح في الإصلاح متوافرة بالأخص أن الجمهور الإسلامي العام معنا في هذا، وهو متعطش لسماع صوت الدين الرشيد والعقل الهادىء والموعظة الحسنة والكلمة السواء. لدينا مشكلة حقيقية في مسألة التكفير العشوائي وغير الصحيح، إذ إن هذا التكفير اتخذ من قبل بعضهم وسيلة لاستحلال الدماء والحريات والكرامات والأعراض، ووسيلة ليس فقط لفرض الرأي أو المذهب، لا بل تعدى الأمر إلى الحرمات الثلاث التي نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن ارتكابها بعد أن بيّن لنا حرمتها في خطبة الوداع بقوله: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ حُرْمَةُ يَوْمِكِمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ). وللأسف هذه المحرمات ابتلينا بها في بلداننا وفي بعض بلاد الاغتراب، والأمر الخطير علينا جميعاً أن هذه القلة العنيفة أتيحت لها وسائل تدميرية ضخمة ومريعة، فهي تشوّه الدين وتدمّر فقه العيش الواحد، وتقتل وتذبح وتحرق كلّ من خالفها في فكرها، وتجتاح البلدات والقرى الآمنة وتهدم البيوت وتهجّر الآمنين، وتفعل ما تفعل مدعية أن ذلك باسم الإسلام، مع أن رسالة هذا الدين القويم الرحمة العامة للناس كل الناس وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، وبعثته صلوات الله وسلامه عليه هي لإتمام مكارم الأخلاق (إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ). من هنا علينا جميعاً حفاظاً على ديننا ومجتمعاتنا واجب التصدي والتصحيح والإصلاح لحماية شبابنا وأجيالنا ومجتمعاتنا ومنع ظهور أجيال جديدة من المتطرفين. ونحن نتساءل: ما هي المصلحة الإسلامية ومصلحة المسلمين المتواجدين في بلاد الاغتراب في ما يقوم به بعضهم من نشر العنف باسم الدين في هذه البلاد؟ لقد ذهب آباؤنا وأجدادنا إلى ديار الاغتراب، ويلجأ مئات الآلاف منا اليوم أيضاً إلى تلك الديار، وعاش المسلمون في هذه الديار بأمن وسلام وارتياح بعيشهم وتأدية شعائرهم الدينية وأقاموا المساجد والمراكز الإسلامية وتعايشوا مع مجتمعات هذه الديار بمحبة متبادلة، فهل من المصلحة تأجيج نعرات الحقد والكراهية في مجتمعات الاغتراب؟ علينا جميعاً أن نعيد جسور الألفة والوئام والثقة المتبادلة في مجتمعات الاغتراب، ونعزّز مقوّمات العيش الواحد فيها، وعلينا إظهار سماحة ديننا في التعامل مع بعضنا ومع الآخرين داخل مجتمعاتنا المتنوعة وفي بلاد الاغتراب. نلقى تجاوباً في الإصلاح > قلت غير مرة في خطبك إن «الإصلاح ضرورة قصوى، وهو دعوة النبيين، ونحن محتاجون للتأهل من جديد للقيام بمهمات التعليم والتربية والفتوى ...» من أين يجب أن يبدأ الإصلاح الديني؟ - نعم. الإصلاح ضرورة لأنه بالإصلاح يكون توضيح المفاهيم الصحيحة للدين الإسلامي ونرد عن ديننا حملات التشويه والافتراء، وبالإصلاح إنقاذ للمجتمعات ولعيش المسلمين في العالم، وفي ما يتعلق بنا يبدأ الإصلاح كما ذكرت في التعليم الديني وفي الفتوى وفي الإمامة في المساجد وفي التربية الدينية منذ الصغر. ذكرت ذلك في خطاباتي وكلماتي في الشهور الستة الأخيرة، ذكرت ذلك بعد انتخابي مباشرة وفي كلمتي في حفل التنصيب في 15 أيلول (سبتمبر) 2014، ونحن في هذه الأيام في خضم عملية إصلاحية شاملة، هناك واقع يحتاج إلى إصلاح كبير، إلا أن وضعنا في لبنان أفضل نسبياً من دول ومجتمعات أخرى، وهذا الإصلاح المطلوب والمنشود ينصب في أجهزتنا وفي قدراتنا الإرشادية والترشيدية وفي إعلامنا الديني، ولا شك في أن كل ذلك يتطلب عملاً طويل الأمد، لكننا بالفعل بدأنا ونحن نلقى تجاوباً كبيراً من داخل الجهاز الديني والتعليمي والإعلامي لدينا ومن مجتمعنا. المسيحيون والأيزيديون > هناك اعتقاد بأن هذا الإصلاح يحتاج إلى الجرأة، صحيح أن مواقفكم ضد تحريف الدين وتسويغ القتل باسمه كانت لها أصداء مهمة، لكن ألا يحتاج الأمر إلى شجاعة في مواجهة المدارس الدينية القائمة على مفاهيم قديمة؟ - ليست لدينا في المؤسسة الدينية الإسلامية سلطة مقدسة، ونحن لا نستطيع أن نفرض أمراً إلا في الجهات التي تخضع لإدارتنا وصلاحياتنا وفق المرسوم الاشتراعي رقم 18/1955 وتعديلاته، وحتى في المؤسسات التابعة لنا نحن محتاجون للكفاءة وللإقناع. إن أكثر من نصف المدارس الدينية ما أنشأتها دار الفتوى، وهي لا تنسق معنا، ولا تخضع لتوجيهاتنا. وبالطبع ليست كل المدارس الدينية الخاصة متطرفة، أما التي في تعليمها وتربيتها شوائب أو تخرج فيها شبان صاروا عنيفين، فنحن سنسلك معها مسلكين متوازيين: نعيد من جهة بناء مدارسنا بطرائق كريمة وإصلاحية بحيث تكون جاذبة للفتيان والفتيات، والمسلك الآخر: اللجوء للمتابعة والنقد والإدانة، وما لجأنا بعد إلى السلطات الرسمية التي سبق أن أجازت بعض هذه المدارس في الماضي للأسف. وأود التعليق على أمرين سألت عنهما: مسألة المفاهيم القديمة ومسألة الشجاعة، في مسألة المفاهيم القديمة أقول إن مفاهيم وتصرفات الجماعة المتطرفة ناجمة عن أحد أمرين: تشويه مبادىء الدين باللجوء إلى تفسيرات غير صحيحة وفهم غير صحيح لبعض مفاهيم هذا الدين، أو استعارة مسالك وممارسات من عوالم الجماعات المتطرفة المعاصرة الأخرى. الدين الإسلامي الذي يتضمن فقهاً شرعياً لمفاهيم الدين الصحيحة وفقهاً للعيش بين المسلمين وغير المسلمين لا علاقة له بهذا العنف القاتل. ليس هناك في مفهومنا الصحيح للدين الإسلامي مفاهيم قديمة ومفاهيم جديدة للدين. الدين الإسلامي برسالته السمحة ووفق الثوابت المقررة في كتاب الله عز وجل وفي السنة النبوية الصحيحة الثابتة هو دين متكامل ومنهج حياة، وكل الأحكام الشرعية الواردة في هذا الدين هي إما لجلب مصلحة للإنسان أو دفع مضرة عنه. طبعاً نحن من دعاة الاجتهاد والتجديد في الخطاب الديني المبني على صحيح الدين، وهو النهج الذي دخلت فيه المؤسسات الدينية الإسلامية الكبرى منذ مئة عام، ديننا وفقهنا الإسلامي يقومان على الاجتهاد في القضايا والمسائل التي ليس فيها نص شرعي على الحكم. وللأسف بعض الجماعات المتطرفة تعمد نتيجة لفهم غير مستند إلى دليل شرعي ثابت، إلى التدمير وسفك الدماء وإحراق الناس. وهنا نتساءل: أين سماحة الدين الإسلامي دين الرحمة والمحبة والأخلاق والتسامح والموعظة الحسنة والدعوة بالتي أحسن مما يرتكبه هؤلاء باسم هذا الدين العظيم؟ ونتساءل أيضاً، المسيحيون والإيزيديون وشتى أتباع الطوائف والأديان والمذاهب يتجاورون في مجتمعاتنا منذ قرون وقرون، لماذا يجري التنكر لهذا العيش الآن ويتم بحقهم الإكراه والقتل والتهجير مع أن ربنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم أمرنا بالبر والقسط لمن لم يقاتلونا في الدين ولم يخرجونا من الديار: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. أما عن الشجاعة التي تطالبنا بها، فالشجاعة ضرورية في تصحيح المفاهيم المحولة والمحورة من بعض من ينتسبون إلى الإسلام، وضرورية في القول،وفق ما هو عليه إسلامنا واعتقادنا، إن المسلمين لا يكفرون مسلماً بذنب، ولا يشككون في إيمان من نطق بالشهادتين وعمل بمقتضاهما، على هذا كانت فتاوى أئمتنا وتعليمنا إلى ما قبل مئة عام. ترشيد الخطاب الديني > هل من مشاريع لتحديث الخطاب الديني عبر الجهاز الديني نفسه في دار الفتوى، أليس هناك تردد لدى المؤسسات الإفتائية يحول دون إزالة ما اعتبره المفتي شوقي علام «التباساً وغموضاً أخرجه عن جادة الصواب»؟ - لدينا في دار الفتوى وفي مؤسساتنا الوقفية وبالتعاون مع مفتِي المناطق اللبنانية مشاريع لتحديث وترشيد الخطاب الديني ليؤدى من خلاله الدور المطلوب في مجتمعاتنا ولدى شبابنا وشاباتنا وأجيالنا، وما جولاتنا العربية والتقاؤنا المسؤولين الدينيين في مصر والسعودية ودول الخليج العربي، ومن خلال المؤتمرات التي شاركنا فيها، إلا للتنسيق في هذا المجال لتبادل الخبرات في المجال الدعوي والإرشادي وفي مجالات التدريب وإعادة التأهيل في هذه المجالات بما يعزز ترشيد الخطاب الديني. أما صديقي العزيز فضيلة مفتي مصر الدكتور شوقي علام فأنا وإياه على اتفاق تام في الرؤية والتوجه والعمل المشترك، وهذا ينطبق أيضاً على علاقتي بفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وفضيلة وزير الأوقاف المصري الدكتور محمد مختار جمعة، نحن على تنسيق وتعاون مشترك ومثمر ستظهر نتائجه إن شاء الله في مستقبل الأيام. ولا بد لي من الإشادة بدور الأزهر الشريف ومرجعيته في مصر والعالمين العربي والإسلامي في الدفاع عن القضايا الإسلامية وفي تصحيح المفاهيم من خلال مؤتمره العالمي الذي أقيم في رحاب الأزهر الشريف بعنوان الأزهر في مواجهة التطرف والإرهاب، ولا شك في أن البيان العالمي الذي صدر نتيجة هذا المؤتمر يعتبر وثيقة تاريخية مهمة جداً تعبر عن موقف المسلمين تجاه ما يتعرض له دين الإسلام من تشويه في مفاهيمه، وتعطي موقفاً إسلامياً جامعاً لإدانة كل الممارسات العنفية والإرهابية التي ترتكبها الجماعات المتطرفة باسم الدين. ولا بد لي من التنويه بكل المواقف المعبرة الصادرة عن المرجعيات الإسلامية في الدول العربية والإسلامية الرافضة للخطابات والممارسات المتطرفة والتي تشوه صورة الإسلام وعظمته، ومنها مواقف فضيلة المفتي العام للمملكة العربية السعودية ومعالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي. مطمئن إلى وضعنا في لبنان > تشدد في مواقفك على العيش المشترك، ألا يتطلب تكريسه التسامح مع بعض ما لدى مكونات في المجتمع من طموحات مثل الزواج الاختياري المدني مثلاً لتعزيز هذا العيش المشترك، ألا يفترض الإقدام في هذا المضمار انسجاماً مع تبنيكم وثيقة الأزهر حول الحريات الأربع؟ - وثائق الأزهر عن منظومة الحريات الأساسية: حرية العقيدة وحرية البحث العلمي وحرية الرأي والتعبير وحرية الإبداع الأدبي والفني كلها اجتهادات نهضوية وإصلاحية. وبالطبع أعلنت في خطاب التنصيب الالتزام بهذه الوثائق، وأتمنى أن يعاد نشر هذه الوثائق ليتم الاطلاع عليها ويتكون حولها إجماع لأن هذه الوثائق تؤكد المبادىء الكلية للشريعة الإسلامية السمحة ومنظومة الحريات التي أجمعت عليها المواثيق الدولية. العيش المشترك الذي أحب أن أسميه العيش الواحد ضمن المجتمع المتنوع والمتعدد، هو جزء أساسي في فهمنا لديننا وتعاملنا مع بعضنا بعضاً على اختلاف مذاهبنا وأدياننا وطوائفنا، ومع مجتمعاتنا ومع العالم. ولا شك في أن هذا العيش ينبغي تكريسه بجملة من التفاهمات والإجراءات والصيغ. وأنا مع مرجعيات ورؤساء الطوائف الدينية نعمل بصدق وإخلاص لتعزيز قيم العيش الواحد في وطننا لبنان، وأعتقد أننا قطعنا شوطاً كبيراً في تعزيز هذه القيم. أقمنا قمة روحية في دار الفتوى عقب تسلمي منصب الإفتاء، وأصدرنا بياناً أكدنا فيه صيغة العيش الفريدة والمتميزة في لبنان وفي شرقنا المتنوع وتعزيز هذه الصيغة، كما أكدنا المسؤولية المشتركة للمسلمين والمسيحيين، في مواجهة الأفكار والممارسات المتطرفة والإلغائية والإقصائية التي تشهدها بعض بلداننا. وستكون لنا لقاءات وقمم إسلامية وروحية دورية لتعزيز العلاقات الإسلامية - الإسلامية والعلاقات الإسلامية - المسيحية، وأنا مطمئن جداً إلى متانة وضعنا في لبنان وأعتقد أنه أصبحت لدينا مناعة كافية ضد الفتن المذهبية والطائفية بفضل وعي الجميع دور لبنان ورسالته في الداخل اللبناني وفي محيطه والعالم. أما الزواج المدني سواء كان اختيارياً أم إلزامياً، وقد طالبتنا بالشجاعة، فإننا نؤكد أن ما يطرح من مشاريع متعددة بهذا الخصوص، لا علاقة لهذه المشاريع بالتسامح والتعصب، ولا علاقة لها بتقوية العيش أو إضعافه. أنا سبق وأكدت أننا مع فضيلة التسامح لتعزيز العيش الواحد بين طوائفنا اللبنانية، ولكننا في حاجة أكثر إلى المحبة في ما بيننا لأن المحبة قيمة أسمى من التسامح. نحتاج في لبنان إلى العيش معاً في ظل صيغة العائلة اللبنانية الواحدة، وأنا أطمح مع سائر المرجعيات الدينية لإنشاء بيت العائلة اللبنانية أسوة ببيت العائلة المصرية الذي تم إنشاؤه في الأزهر الشريف ويتناوب على رئاسته كل ستة أشهر شيخ الأزهر وبابا الأقباط. بمثل هذه المبادرات والصيغ وبالتمسك بصيغة العيش الواحد والتسامح والمحبة واحترام الآخر وقبوله نحفظ وطننا لبنان من أي انتكاسة قد تثير النعرات المذهبية أو الطائفية. > ما هي أوجه التعاون المستقبلية بين المؤسسات الافتائية العربية والإسلامية لوضع الحلول للمشاكل التي تعترضها في مواجهة التطرف؟ - بدأ التعاون بالفعل، وشاركنا في مؤتمر الأزهر في مواجهة التطرف والإرهاب، ومؤتمر رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، ومؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة، إضافة إلى المشاركة في أكثر من ورشة عمل تحضيراً لعقد مؤتمرات لتوضيح عظمة الإسلام وبيان مفاهيمه الصحيحة والتركيز على القيم الأخلاقية وآداب التعامل مع الآمنين أثناء النزاعات، وهناك تواصل مع المؤسسات الدينية العربية والإسلامية من أجل تعاون أوثق في المجالات كافة التي تعزز العلاقات المشتركة وتبادل الخبرات. ونحن بصدد التوصل إلى تعاون مع الأزهر الشريف في مسألة التعليم الديني وبرامجه، وبصدد توقيع اتفاقيات مع وزارات الشؤون الإسلامية والأوقاف والوعظ والإرشاد في الدول العربية. وهناك تشاور مستمر بيننا وبين المؤسسات الدينية في الدول العربية والإسلامية للوصول إلى حلول وإجراءات من أجل مواجهة أفكار الغلو والتطرف والإرهاب وللإفادة المتبادلة في مجال البرامج التي حققت نجاحاً كبيراً كبرامج المناصحة والرعاية. > تأملون في تصريحاتكم بأن تؤدي الحوارات إلى خفض الاحتقان المذهبي. هل من دور لكم في العلاقة مع المرجعيات الشيعية (في لبنان) والدول العربية خصوصاً، في هذا المجال؟ - دار الفتوى مرجعية إسلامية ووطنية، على علاقة طيبة وممتازة بالجهات والمرجعيات الدينية الإسلامية والمسيحية في لبنان. ونحن نحاول جاهدين تخفيف الاحتقان المذهبي وتعزيز الخطاب المعتدل وإرساء علاقات حسنة وجيدة مع سائر فئات المسلمين، وبالطبع هناك تجاوب من سائر الأطراف في هذا الصدد، وبدأنا نشعر بالآثار الإيجابية لهذا التعاون والتجاوب. نحن في لبنان حريصون جداً على العلاقة الطيبة بين المسلمين بمذاهبهم المتنوعة، ونسعى دائماً إلى التلاقي والحوار، وقد شجعنا الحوارات السياسية الدائرة حالياً بين الأطراف السياسية اللبنانية، ولا شك في أن هذه الحوارات أزالت الكثير من الاحتقان والتشنج، ونحن نعول كثيراً على هذه الحوارات لأنها تجنب وطننا لبنان الكثير من الأزمات وبالأخص في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها بعض بلداننا العربية. وهذه الحوارات تعتبر أيضاً مدخلاً أساسياً للوصول إلى جملة من التفاهمات حول قضايانا اللبنانية الراهنة، من أهمها الحفاظ على تماسك الشعب اللبناني والحفاظ على الأمن والاستقرار في بلدنا، ونتطلع من خلال هذه الحوارات إلى إيجاد توافقات سياسية تخرج لبنان من أزماته الراهنة، وإيجاد مخارج توافقية لإنجاز الاستحقاقات الكبيرة ومن أهمها إنجاز الاستحقاق الرئاسي، لأنه لم يعد مقبولاً بقاء الشغور الطويل في سدة الرئاسة الأولى. هذا الشغور ينعكس سلباً على الأوضاع اللبنانية بعامة وعلى مؤسسات الدولة وأدائها. زيارة لندن > زيارتكم لندن ماذا تأملون منها؟ ما دورها في مواجهة نمو التعبئة التكفيرية في المغتربات من جهة وفي معالجة جنوح الغرب نحو تدابير قمعية إزاء المسلمين يأخذهم بجريرة «داعش» وغيرها بفعل الإسلاموفوبيا من جهة أخرى؟ - وجهت إلينا دعوة رسمية من وزارة الخارجية البريطانية لزيارة المملكة المتحدة، وهذه أول زيارة لنا لبريطانيا، وبالطبع تلبية هذه الدعوة الكريمة تأتي من حرصنا على تأكيد التفاهم المتبادل بين الثقافات والأديان، وتعزيز العلاقات اللبنانية البريطانية بما يفيد البلدين، وسوف يتضمن برنامج الزيارة لقاءات مع قيادات وشخصيات بريطانية رسمية رفيعة المستوى، وستكون لنا لقاءات دينية إسلامية ومع شخصيات مسيحية، وسنلتقي خلال هذه الزيارة الجمعيات الإسلامية والجالية اللبنانية. ونعتبر أن الاختلاف الإنساني يستدعي التلاقي والتعارف للتعايش بسلام ومحبة واحترام متبادل. وسيكون موضوع الحوار الإسلامي المسيحي وتعزيزه وإعادة جسور التواصل والتفاهم بين الحضارات من المواضيع التي ستناقش في خلال لقاءاتنا، وعلينا استبدال مفهوم تلاقي الحضارات بمفهوم صراع الحضارات لما فيه خير الإنسانية جمعاء للعيش بسلام ومحبة وتعاون لا بالعيش بخوف متبادل وتصارع وتصادم.