ما زلت أتذكر تلك الأيَّام الخوالي، وذلك العام الذي لا ينسى، وهو عام 2008، العام الذي احتفل فيه العرب والمسلمون في أنحاء الكرة الأرضية بفوز أول رئيس من أصول أفريقية، في تاريخ الإمبراطورية الأمريكية، وظن هؤلاء أن هذا الرئيس، بحكم أصوله الأفريقية، وديانة والده الإسلامية، سيكون هو المنقذ لهم، والنصير لقضاياهم، ومن ينسى تلك المقالات التي سطرها كل من ليس له علاقة بالسياسة، وكتبها أكاديميون، ودعاة، ووعاظ، وكان عنوانها موحد: «الرئيس الأسود في البيت الأبيض»، وقد نسخ أولئك الكتاب من بعضهم البعض، لأنهم ببساطة لا يعرفون الكثير عن خفايا النظام السياسي الأمريكي، وهو النظام الديمقراطي المؤسساتي العريق، وقد كتبت مقالاً حينها، وسخرت من هؤلاء، ومن سطحيتهم المفرطة، إِذْ هم اعتقدوا أن أمريكا من جمهوريات الموز، التي ينتخب فيها رئيس، ثم يتخذ من السياسات ما يشاء، وكتبت أن أوباما يمثل امتدادا لإرث نظام مؤسساتي عريق، وأنه سينفِّذ السياسات التي لن تختلف كثيرا عمن سبقوه، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالعرب وقضاياهم. أوباما انتهز هذه الفرصة، وجاء زائرا للعالم العربي، في بداية رئاسته، واستقبل مثل الفاتحين، وألقى خطبا عاطفية، تناسب الجنس العربي، الذي تثيره مثل هذه الخطابات، أولم يستطع الممثل برتبة رئيس، أحمدي نجاد، أن يخدع العرب والمسلمين بخطبه التي قال فيها إنه سيحرق إسرائيل!!، وطاروا به، مع أنه نسي الكبريت الذي سيشعل به إسرائيل، في آخر لحظة!!، وعندما زار نجاد جنوب لبنان، قريبا من حدود أعدائه الإسرائيليين، تعطلت كل أجهزة الرادار الإسرائيلية، وتعطلت الطائرات بدون طيار، والتي كانت ستقضي على هذا العدو، قبل أن يحرق إسرائيل!!، وقبل نجاد، فعلها المقاوم حسن نصر الله، الذي شجعه المسلمون السُّنَّة، قبل الشيعة، ثم اتضح أنه مجرد طائفي «مأجور» في خدمة حكومة الملالي في طهران. فالعرب يحرك مشاعرهم مثل هؤلاء الزعماء، من بياعي الكلام الرخيص، والغريب أن أوباما وهبه الله مقدرة خطابية جبارة، استطاع من خلالها أن يكسر التقاليد الأمريكية، ويدخل البيت الأبيض، ولا أظن أن هذه المصادفة التاريخية ستتكرر مستقبلا، وسيكون لهذا مقال مستقل.