أكد سليم شاكر وزير المالية التونسي أن خسائر تونس من العملية الإرهابية التي وقعت أول من أمس (الأربعاء)، بمتحف باردو «قد تتجاوز 700 مليون دينار تونسي» (نحو 350 مليون دولار أميركي). وقال شاكر أمس خلال جلسة مع أعضاء لجنة المالية والتخطيط في مجلس نواب الشعب (البرلمان التونسي) إن هذه العملية الإرهابية «ستكون لها انعكاسات سلبية على الاقتصاد التونسي وعلى قطاع السياحة والصناعات التقليدية وعلى مستوى الاستثمار الخارجي كذلك». وأجمعت الصحف المحلية التونسية في نشراتها ليوم أمس على أن «التداعيات الاقتصادية لعملية متحف باردو ستكون جد سلبية، وخاصة على القطاع السياحي». وكانت أكثر من جهة، خاصة تلك المعنية بالشأن الاقتصادي لتونس، قد وصفت العملية الإرهابية التي استهدفت متحف باردو على بعد أمتار قليلة من مقر مجلس نواب الشعب التونسي وأدت إلى مقتل 21 شخصا من بينهم 17 سائحا أجنبيا وأكثر من 40 جريحا أغلبهم من الأوروبيين بـ«الكارثية»، من حيث تداعياتها الاقتصادية على البلاد، وخاصة بالنسبة للنشاط السياحي. وقال الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة الأعراف) في بيان أصدره، أول من أمس (الأربعاء)، بعد وقت قليل من حدوث هذه العملية الإرهابية إن «هذه العملية تمثل منعرجا خطيرا جدا في التهديدات الإرهابية التي أصبحت تستهدف البلاد»، وإن «هذا الهجوم الإرهابي الجبان أتى ليضرب القطاع السياحي أحد أهم الركائز للاقتصاد التونسي، ولخلق مصاعب إضافية أمام الشعب التونسي الذي يعيش العديد من أبنائه بصفة مباشرة أو بصفة غير مباشرة من النشاط السياحي». وأصيب كثير من الناشطين في المجال السياحي، سواء من أصحاب الفنادق أو وكالات الأسفار بما يشبه «الصدمة» جراء هذه العملية، متوقعين الأسوأ بالنسبة للموسم السياحي المقبل، خاصة أن العملية جاءت في فترة الحجوزات لفصل الصيف، الذي يمثل موسم الذروة. وتوقع رضوان بن صالح رئيس الجامعة التونسية للنزل أن تشهد الأيام المقبلة عمليات إلغاء لحجوزات سابقة. أما محمد علي التومي رئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار، فقد أكد في تصريحات إعلامية أن «عملية متحف باردو أصابت السياحة التونسية في مقتل». وقال مصدر مسؤول بوزارة السياحة والصناعات التقليدية لـ«الشرق الأوسط» إنه «تم بعث خلية أزمة لمتابعة الوضع بعد العملية الإرهابية» وإنه «لم تسجل إلى بعد ظهر أمس (الخميس) عمليات إلغاء لحجوزات، عدا عملية واحدة تُعتبر غير ذات معنى» مفيدا بأن «خلية الأزمة التي تم بعثها تتابع الوضع في البلدان الأجنبية التي يقبل رعاياها عادة على السياحة في تونس عبر تمثيليات ديوان السياحة بالخارج، ومع كبريات وكالات السياحة العالمية المتعاملة مع تونس»، مؤكدا أنه «لم تسجل عمليات مغادرة واسعة لسياح مقيمين بتونس قبل موعد رحيلهم المقرر سابقا، ولا دعوات من بلدانهم للمغادرة»، مضيفا: «رغم ذلك فإنه يتوقع أن يقع إلغاء بعض الحجوزات». على صعيد متصل أعلنت كل من شركة «كوستا كروازيير» وشركة «إم إس إس» الإيطاليتين المختصتين في الرحلات البحرية الترفيهية في بلاغين أمس الخميس «إلغاء توقف سفنهما في تونس»، علما بأن ركابا من سفيتي الشركتين اللتين أرستا بتونس، أول من أمس (الأربعاء)، كانوا من بين القتلى والجرحى في الهجوم على متحف باردو. ويمثل القطاع السياحي أحد ركائز الاقتصاد التونسي سواء من حيث التشغيل أو الإيرادات من العملة الصعبة حيث يشغل القطاع نحو 350 ألف تونسي بصفة مباشرة أو غير مباشرة ويوفر لتونس سنويا نحو 3.5 مليار دينار تونسي من العملة الصعبة (نحو 1.7 مليار دولار أميركي). وتعد عملية متحف باردو التي استهدفت سياحا أجانب الثانية من نوعها في تاريخ السياحة التونسية بعد تفجير كنيس «الغريبة» اليهودي الواقع في جزيرة جربة السياحية (550 كلم جنوب العاصمة تونس) في أبريل (نيسان) 2002، الذي أدى إلى مقتل 14 شخصا منهم 6 سياح ألمان وجرح ما يزيد عن 30 آخرين. وقد تسبب هذا التفجير في تراجع كبير لإقبال الألمان على تونس حيث كان عددهم يفوق الـ800 ألف سائح ألماني سنويا حتى سنة 2002، ليصل إلى 400 ألف سائح فقط في السنوات الأخيرة بعد مجهودات كبرى بذلها القائمون على السياحة لاستعادة السوق الألمانية. وجاءت عملية متحف باردو وفي وقت يواصل فيه القطاع السياحي التونسي السعي لتجاوز الأزمة التي يعيشها منذ 2011 بسبب الاضطرابات الأمنية التي ما فتئت تعيشها البلاد، بعد سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي في 14 يناير (كانون الثاني)، حيث شهد إقبال السياح تراجعا لافتا في السنوات الأربع الأخيرة قدره المهنيون الناشطون في القطاع بأكثر من 20 في المائة عن نسبة الإقبال المسجلة سنة 2010، في حين سجلت سنة 2014 تراجعا بـ3 في المائة مقارنة بسنة 2014.. وعلى سبيل المثال تراجع إقبال الفرنسيين على السوق التونسية بشكل بارز، وكان عدد السياح الفرنسيين سنة 2010 يفوق المليون و300 ألف سائح، ولكنه تقلص إلى 700 ألف سائح فرنسي سنة 2014. كما سجلت الأسواق التقليدية الأخرى تراجعا متفاوتا بعد سنة 2010. وبالنسبة لهذه السنة تراهن تونس على استقبال 7 ملايين سائح أجنبي سنة 2015 مقابل أقل من 6 ملايين زاروها سنة 2014، ويرى العديد من المعنيين بالقطاع السياحي تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» أن الأمر سيكون صعبا، وأن السياحة التونسية سيكون أمامها أيام صعبة جدا. وهي صعوبات ستتأثر بها كثير من القطاعات الأخرى المرتبطة بالنشاط السياحي، كالنقل الجوي والصناعات التقليدية بالخصوص. ورغم هذه «الصدمة»، يأمل العاملون بالقطاع أن تبادر السلطات بالقيام بمبادرات من أجل الحد من الأضرار المحتملة جراء عملية متحف باردو الإرهابية. ومن التداعيات المباشرة لعملية متحف باردو الإرهابية تسجيل بورصة تونس في حصة أول من أمس الأربعاء هبوطا حادا، حيث تراجع المؤشر العام للبورصة بنحو 2.5 في المائة، وشهدت أسهم 55 شركة من جملة 77 مدرجة بالبورصة انخفاضا في قيمتها. وعدا الأضرار التي يتوقع أن يسجلها القطاع السياحي بسبب عملية متحف باردو الإرهابية يرى العديد من الخبراء أن هذه العملية ستؤثر على المدى القريب على الأقل على جهود تونس في مجال استقطاب المستثمرين الأجانب، وحتى على الاستثمار الوطني بسبب الشعور بعدم الاستقرار الأمني الذي خلفته هذه العملية، خاصة أنها تمثل تحولا في أسلوب عمل الجماعات الإرهابية التي تحاول أن تنقل المواجهة إلى المدن الكبرى وليس في المرتفعات الغربية على الحدود مع الجزائر، حيث سجلت أغلب العمليات الإرهابية حتى الآن، في حين أن عملية متحف باردو وقعت في قلب العاصمة التونسية، كذلك فإن هذه الجماعات لم تعد تستهدف رجال الأمن والجيش فحسب بل المدنيين والسياح وهو ما يؤثر على المناخ العام بالبلاد، ومن بين ذلك مناخ الاستثمار. وفضلا عن ذلك فإن تونس ستكون مضطرة إلى الزيادة في موازنات الأمن والدفاع وكل ما له علاقة بمقاومة الٍإرهاب، وهو ما يمثل حملا ماليا إضافيا لبلد تعاني توازناته المالية الكبرى اختلالا كبيرا، وما فتئت نسبة تداينه تتزايد بكل كبير يؤذن بالخطر، على حد قول أحد الخبراء الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط». ورغم المرارة التي خلفتها هذه العملية، فقد تواترت تصريحات المسؤولين الرسميين والقادة السياسيين من كل الأطياف وحتى المواطنين العاديين التي تؤكد أن «تونس لن تركع وستقاوم» وأن التونسيين «لن يستسلموا، وسينهضون ببلادهم مهما كانت التضحيات ومهما كبرت المصاعب»، كما لم يخفِ كثير من التونسيين خيبة أملهم من «أصدقاء» تونس الذين وعدوا أنهم سيساعدون البلاد على تجاوز أزمتها الاقتصادية بمجرد الفراغ من المرحلة الانتقالية، ولكنهم لم يروا إلى الآن أي مبادرات عملية ولا برامج استثمارية ولا مساعدات.