كان ذلك في الرابع من أكتوبر من العام الماضي عندما احتل تنظيم داعش بالكامل مدينة هيت الصغيرة خلال ساعات قليلة، وكان عدد سكان المدينة حوالى مئة ألف ومعظمهم سنّيون. بعض سكان المدينة كان يؤيد «داعش» لكن معظمهم كان يعارضها، من بين هؤلاء الذين كانوا بالبلدة التي احتلتها «داعش» كان فيصل (35عامًا) الموظف الذي استطاع بعد خمسة أشهر الهرب إلى مدينة أربيل، وفي أربيل التقى به مراسل الاندبندنت فوصف له ما جرى ببلدة هيت والحياة فيها تحت سيطرة «داعش» وأثر ذلك على السكان منذ يوم احتلال البلدة. قال فيصل -وهذا ليس اسمه الحقيقي-: «في البداية دعوني أصف لكم كيف دخل مقاتلو «داعش» البلدة، في الساعة الرابعة سمعنا انفجارًا حيث فجّر مقاتلو «داعش» قنبلة في نقطة التفتيش الرئيسة عند مدخل البلدة ثم بدأ القتال بواسطة مقاتلي «داعش» ضد القوات الحكومية، كان القتال يجري من الداخل والخارج، هذا لأن المهاجمين جاءوا من الخارج وانضم إلى المعارك مقاتلون من الداخل تابعون لـ»داعش» أيضًا إذ أنهم من الخلايا النائمة لهذا التنظيم كانوا يتحيّنون ساعة الصفر، ولذا أصبحت القوات الحكومية تجابه بقتال من الأمام ومن الخلف أيضًا، استولى مقاتلو داعش على كل مراكز الشرطة ما عدا مركزين قاوما حتى الساعة الخامسة وبعد ذلك سيطرت «داعش» على كامل المدينة». وقال فيصل: إن بعض أعضاء خلايا الداخل النائمة كانوا من جيرانه وتم تعيينهم لحراسة نقاط التفتيش لذا لم تكن لديه مشكلة في التنقل، وكان لدى هؤلاء قائمة بالأشخاص المطلوب القبض عليهم، وكانوا يفحصون بطاقات الهوية، وأول شيء حدث بالبلدة هو انقطاع التيار الكهربائي وذلك لأن 90 % من الطاقة الكهربائية في محافظة الأنبار تأتي من محطة الحديثة لتوليد الطاقة الكهرومائية على بعد خمسين كيلومترًا من بلدة هيت في أعلى نهر الفرات وقد استولت داعش على معظم مناطق محافظة الأنبار ما عدا الحديثة. ومن جانبها توقفت داعش عن إرسال المواد الغذائية الزراعية للحديثة، في حقيقة الأمر توقفت الحكومة العراقية عن إمداد المناطق التي احتلتها داعش بالكهرباء، وبقطع الإمدادات توقفت معظم المصانع والمشروعات في بلدة هيت التي تعمل بالطاقة الكهربائية بما في ذلك محطة معالجة المياه وحدث نقص حاد في مياه الشرب حدا بالسكان الحصول على احتياجاتهم مباشرة من مياه الفرات الملوثة. ولأن هيت وسط منطقة زراعية كانت المنتجات الزراعية متوفرة والمشكلة أنه على الرغم من توفر المواد الغذائية وبأسعار زهيدة إلا أن السكان لم يكن بوسعهم شراؤها لأن العمل مدفوع الأجر توقف وأصبح السكان بلا موارد مالية، وللمفارقة فإن الوحيدين الذين يستطيعون الشراء هم موظفو الحكومة لأن بغداد عملت على كسب ولاء موظفيها فداومت على تسليمهم رواتبهم ولم تمانع داعش من أن يتم ورود تلك المخصصات والرواتب كي تحصل منها على الضرائب. وتقوم داعش بتقديم بعض الخدمات بنفسها مثل إعادة ملء أنابيب الغاز من مدينة الرقة السورية، وفيما عدا ذلك يقول فيصل: إن مقاتلي داعش يحشرون أنفهم في كل شيء ويتدخلون في حياة السكان والتعليم والمساجد وملابس النساء ويأخذون الزكاة والضرائب من المتاجر إذ تم تعيين 200 شخص للجبايات من المتاجر والموظفين، وقامت داعش بتغيير مناهج التعليم في المدينة وجلبت كتب مقررات جديدة من الرقة والفلوجة وتم إلغاء بعض المواد مثل الفلسفة والكيمياء والفنون والموسيقى والجغرافيا وعلم الاجتماع وعلم النفس والدين المسيحي وطلبوا من معلمي الرياضيات بإلغاء أي سؤال لا يتفق مع رؤية تعاليم داعش، وتم حذف فصول بكاملها من مادة الأحياء وطلبوا من مدرسي اللغة العربية عدم تدريس الشعر الجاهلي أو أي شعر فيه وثنية «حيث تشير داعش لأي منطقة خارج حدود خلافتها المزعومة بالأراضي الوثنية». وقال فيصل: إن المواد البترولية متوفرة لكنها غالية ونوعيتها غير جيدة وذلك لأنه يتم جلبها من الرقة بعد تكريرها ذاتيًا هناك بطريقة سيئة، وكثير من المركبات في هيت تعطلت بسبب أعطاب أصابت ماكيناتها جراء هذا الوقود الردئ. يصاب مقاتلو داعش بالبارانويا لدى رؤيتهم هواتف نقالة في أيدي السكان، وحتى فبراير كانت الهواتف النقالة تعمل في هيت لكن بعد القتال في البغدادي المجاورة نسفت داعش أبراج الاتصالات بالبلدة فأسكتت صوت الهواتف، ولم يعمل الانترنت في محافظة الأنبار خلال الثمانية أشهر الماضية وفي هيت يتم ذلك بمراقبة لصيقة من داعش في مكاتب محدودة ولا توجد إمكانية للدخول على الإنترنت من المنازل، وتراقب داعش المواطنين بصورة يومية حذر استعمال الانترنت.