عادة.. ينطلق فهيد باكراً بعد صلاة الفجر للوقوف في موقف السيارات في وسط الديرة "الرياض"، لا يعرف مهنة غيرها، سيارته - البيجو/ البكس - يسمونها في ذلك الوقت –الدّرج. ذات يوم وهو خارج من صلاة الفجر، حدثه مبارك وهو يعدل شماغه على راسه "بنت البكار"، قال: "الحين يا فهيد، قبلك تركض من صلاة الفجر ولا ترجع لحويكم الا بين عشاوين، خلنا ندور لك شغل بمكان ثاني! ترى مطبخ العجراء ودكاكين الديرة يدورون من يقضّب محلاتهم، ثم(ن) بعدها نزوجك بنت الحلال". يلتفت فهيد مبتسماً متهكماً على حديث مبارك: "يامبارك.. لو ان اللي قايل(ن) ذا الكلام غيرك، قلت مايخالف جاهل(ن) ومايعرف، بس أنت اللي تقول وأنت عارفني ما عندي الا ذا السيارة أوصل ذا الناس ل"الدرعية" وارجع لموقف المنجم! هذا اللي انا اعرفه، وش تبيني اسوي.؟ مبارك يصل لباب بيته، اسمع يافهيد: "يا أما انك تقلط وتتقهوى عندي ونكمل سالفتنا، والا رح لسيارتك ولين خلصت هيتني تراني أتناك فيذا! استأذن فهيد من مبارك طالباً منه الدعاء، وذهب كعادته لموقف المنجم ينتظر الركاب، يسمون الموقف بهذا الاسم لقربه من ثلاجة المنجم في الديرة جنوب سوق الحساوية والمعيقلية. أتت امرأة معها أولادها الاثنين صغار في السن واضعة على رأسها (بقشة) ممسكة الاثنين بيديها، طلبت من فهيد أن يوصلها إلى الناصرية، لم تجد - تكسي - قالت له: "يا ولد ما تودينا للناصرية واعطيك عرقة زينه". رد عليها فهيد وهو ممسكاً قماشاً أحمر يمسح بها قزاز سيارته: "يا وخيّتي التكاسي واجد وانا ما أركب الا اللي يروحون للدرعية"، فكت يديها من أولادها وانزلت البقشة من على رأسها، وجلست على الارض، مسكت غطوتها بيدها ورفعت رأسها تنظر له وقالت: "والله أن ذا التكاسي صدق من قال عنهم - ابو ربع - واقفة من صلاة الفجر ولا مرني احد، والحين بتدخل الضحوية واهلي يحتروني". رد عليها فهيد مبتسماً من تسمية - ابو ربع - ما يخالف انا بوديكم وأبشري بالخير. استقلت المرأة واولادها الصغار سيارة - البيجو - وفهيد يقودها، وابتدأت السواليف، فهيد دائماً حشري تعود على الأسئلة والسواليف، قال: "وينه رجلك ما وداكم؟"، تنهدت المرأة وقالت: "ليته فيه كان ما اعتزت لاحد.. رجلي – الله يرحمه - توفى من سنتين وترك لنا بيت في العطائف ودكان مسلمينه ليماني يبيع فيه ويكد علينا!". كثر الحديث بينهم حتى وصل للناصرية عند بيت أهلها، قال وقتها "متى بتعودون للديرة؟ واجي اخذكم لا تدورون تكسي". ردت عليه "باكر أن شاء الله". في كل اسبوع من يوم الخميس يحدث هذا اللقاء حتى تعود الاثنين على بعض، فهيد نسي حديث مبارك، كلما قابله وجرى النقاش بينهم على استقلالة في دكان كبقية الشباب في الحارة، قال: "يكون خير يكون خير". في مرة كان يوصلها إلى بيت أهلها، فاجأها وقال: "الحين لو أرسلت خط لاهلك بتوافقين علّي معرس؟"، قالت: "أنت أرسله ويكون خير" خجلت من كلامه وقالت "مدري عن أهلي!". ارسل الخط وحصل على القبول، في يومها فهيد منتظراً صلاة الفجر عله يبشر مبارك ويطلب منه مع كبار الحي ان يأتوا معه وجاهة عند اهلها. قال فهيد لمبارك كل شيء، متوقعاً مجادلته، لكنه تفاجأ بمباركته لكنه اشترط عليه أن يمسك دكان زوجته بديلاً عن اليمني ويترك "كد المشاوير". بعد زواجهما أوقف - البيجو - عند البيت واستلم الدكان حتى اصبح من أهل المهنة، استغربت الزوجة أن الخير من هذا الدكان قد فاض اضعافا، قال لهم موزع الجملة في سوق القصمان عندما راجعوه بأوراق الدكان: "ترى صبيكم الأول يأخذ البضاعة رخيصة من عندنا ويقيدها عليكم مدبلة.. هذا لأنكم تجيبون ذا الناس من عجزكم وغشامتكم وتمسكونهم حلالكم".