لم يكن سهلا على الشابين سمير خريشة ومحمود كحيل أن يستقيلا من وظيفتيهما ويتجها للعمل في مشروعهما الخاص، ويخوضا بذلك أول تجربة فلسطينية في مجال زراعة الفطر الأبيض (المشروم). وبإرادة وتحدٍّ كبيرين أقدم الشابان وصديقان آخران لهما على تأسيس مزرعة أمورو (نسبة لقبائل الأموريين القديمة) بعيدا عن "روتين العمل والوظيفة" سعيا لتحسين حالتهم الاقتصادية، والعثور على فرص أفضل لمواجهة متطلبات المعيشة. فقبل عامين ويزيد خطرت الفكرة لدى الشبان، فسارعوا إلى البحث بكل طاقتهم عن الفكرة التي اهتدوا إليها بعد مشاورات طويلة كادت في أحيان كثيرة تثبط عزيمتهم وتوصلهم لحالة من اليأس، يروي سمير خريشة (31 عاما) متحدثا للجزيرة نت. تحديات كبيرة واستغرقت عملية البحث عن المكان وعمل دراسة جدوى اقتصادية وأخرى علمية وتوريد المعدات اللازمة وتهيئة الظروف الملائمة نحو عشرين شهرا، ظل خلالها الشبان ينفقون من جيوبهما لتحقيق هدفهم، وإنشاء مزرعتهم النوعية التي تجمع بين الزراعة والصناعة معا. خريشة أقام بمعية أصدقاء مزرعة الفطر للنهوض بهذه الزراعة وتحسينوضعهم (الجزيرة) وبكلام مفعم بالحيوية والإرادة، يقول خريشة إنهم انطلقوا برأس مال يناهز تسعين ألف دولار هي "تحويشة العمر" وضعوها في مشروعهم الذي تابعوه خطوة بخطوة، ليتجاوز رأس المال الآن ربع مليون دولار. ويضيف أنهم استوردوا كل المستلزمات، بما فيها الأبواغ (بذور الفطر)، والمادة الخاصة التي يزرع بها، وهي أشبه بخليط بين الروث والتربة. ويزرع الفطر الأبيض بأماكن ملائمة له داخل غرف خاصة معزولة ومنظمة بدرجة حرارة ورطوبة متفاوتة، مع إضافة لثاني أكسيد الكربون والمياه والتهوية المناسبة مع إجراء عمليات للتعقيم، "وكل ذلك يتم التحكم به إلكترونيا ومن أي مكان بالعالم" يقول خريشة. ويضيف الشاب أن دورة حياة الفطر الواحدة تستغرق 45 يوما، وتبدأ عملية القطاف في اليوم العشرين، حيث يجنى المحصول مرتين أو ثلاثا بدقة شديدة لنيل محصول ذي جودة عالية. زراعة متطورة وصمم الشبان وبالتعاون مع شركة هندسية فلسطينية متخصصة نظاما إلكترونيا خاصا يعد الأول من نوعه لتنظيم ومراقبة حياة الفطر باستمرار، لكونه على درجة عالية من الحساسية وأي شيء يؤدي لتلفه. وعمد الشبان للزراعة العمودية عبر رفوف خاصة، وبإمكان المتر المربع الواحد من هذه الرفوف أن ينتج عشرات الكيلوغرامات من الفطر، يقول كحيل. وأنتجت مزرعة أمورو نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي أولى ثمارها المقدرة بطنين، طرحها الشبان بالأسواق والمحال التجارية "مجانا" مقدمة للمنافسة والنجاح الذي باتوا يعيشونه الآن. تغطية السوق ويضيف كحيل أن منتجهم لاقى رواجا كبيرا، وباتوا يعملون على توسيع زراعتهم لما يلبي احتياجات السوق، ويخلق منافسة أيضا، كما يسعون لتحسين نوعية المنتج، ويقول "الأهم أننا بتنا ننافس المنتج الإسرائيلي وبشكل كبير بعد أن ظل لسنوات طويلة يحتكر السوق الفلسطينية". ويعمل الشبان لساعات طويلة في النهار، ويؤكدون أنهم غير مبالين بالتعب، بل باتوا يكتشفون "قوة كامنة" داخلهم. وأكثر ما كان يؤرقهم إبان البدء بمشروعهم هو الإجراءات الروتينية في عمليات الترخيص وتقديم الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وغير ذلك، يضاف إليها "ضرائب عالية" تفرض عليهم تحت مسمى ضريبة الدخل باعتبار منشأتهم صناعية. سهير تقول إنها سعيدة بعملها في مزرعة الفطر (الجزيرة) واستطاع الشبان في مزرعة أمورو أن يوفروا نحو عشرين فرصة عمل، معظمها لنساء وفتيات وبراتب جيد ومنصف لأوضاعهن واحتياجاتهن. تجربة عاملة وتقول سهير مرقة (أم أحمد) إن عملها بالمزرعة يعد الأول من نوعه بهذا المجال، لكنها باتت والفتيات زميلاتها يتقنه وبشكل كبير، ولفتت إلى أنها "سعيدة" بعملها ذلك وتأمل أن يتم توسيعه بشكل أكبر. ورغم أن مزرعتهم تحمل شيئا من "المخاطرة"، كما يقول القائمون عليها، بدءا من الزراعة ومرورا بالتعبئة والتغليف وانتهاء بالتسويق إلا أنهم يُصرون على استكمال مشوارهم.