صحيفة المرصد :عانى المكيون كثيرا من صولة وجبروت الولاة وأمراء الحج طوال العهد المملوكي، وبعض العصر العثماني، وطالت هذه المعاناة القاطنين حول مكة من أهل البوادي، وقاطني طرق الحج، وكان من أبشع صور هذه المعاناة تفنن بعض الولاة وأمراء الحج في ابتكار أنواع من العذاب والعقاب بأساليب ما أنزل الله بها من سلطان، وكان كثير من الأمراء والولاة هم القضاة الذين يصدرون الحكم والجلادون الذين ينفذونه، دون الرجوع إلى القضاء الشرعي، بل كانوا الخصم والحكم والشهود والمنفذين. وبحسب صحيفة مكة من خلال متابعة النصوص التاريخية، نجد أن إيقاع هؤلاء الأمراء لأنواع من العقاب كان نتيجة الأخذ بالشبهة أو الشك أو لمجرد الإرهاب، وكان النشر أحد هذه الأنواع، حيث يؤتى بالجاني أو السارق فينشر من رأسه إلى دبره حتى يفصل الجزء الأيمن عن الجزء الأيسر من جسمه، وهذا مخالف لجميع النصوص الشرعية الخاصة بإقامة الحدود، وسار على طريقته الأمير مصطفى من أمراء الحج، والذي كان يأتي بالمناشير وينشر السارق ويرمي كل جزء منه في ناحية، حتى عرف بالأمير مصطفى النشار. كما ابتدع الأمير مصطفى نوعا آخر من العذاب، حيث كان يشد نخلتين إلى بعضهما شدا وثيقا بالحبال ثم يأتي بالجاني ليربط كل قدم من أقدامه بنخلة منهما، ثم يقطع ما بينهما من حبال فينقطع الرجل نصفين، وتذهب كل قطعة صوب إحدى النخلتين. وكان يأتي بالرجل ويوقد نارا ثم يلوح به عليها حتى يحترق وكأنه شاة، واستخدم أسلوب الكي بالنار مع بعض الجناة في جباههم كعلامة لهم، وفي حال تكرار الجناية يقتلهم. ومن ابتكارات هؤلاء الأمراء، التوسيط وهو أيضا نوع بشع من أنواع العقاب، حيث يؤتى بمن يراد توسيطه وتنزع عنه ملابسه ثم يقيد في خشبة تشبه الصلب، ثم يضرب بالسيف ضربة واحدة شديدة من وسطه، فينقسم الرجل من الضربة نصفين، وتعد هذه الطريقة من أبشع الطرق التي ابتكرها أمراء الحج في العقاب، وقد ظل التوسيط معروفا طوال العهد المملوكي، واختفى مع الوجود العثماني في مكة المكرمة.