تميزت الأجيال السابقة بقربها من بعضها في العلاقات الاجتماعية، حيث اعتبر من العادات والتقاليد تماسك أفراد العائلة كلها بأبناء عمومتها وأقاربهم، فتجد الجميع يعرف أقاربه كمعرفته بأخيه الشقيق، الأمر الذي يُفتقد تقريباً في عصرنا هذا، حيث ساهمت أعباء الحياة ووتيرتها السريعة والركض خلف لقمة العيش في إبعاد الإنسان عن حياته الاجتماعية، لينسحب بعدها بالتدريج عن علاقاته، ويستعين بالتقنية الحديثة للبقاء متصلاً مع البقية قدر الإمكان. قد تتفاجأ كثيراً هذه الأيام بزواج قريب، أو أن لك ابن عم لم تعلم بوجوده من قبل، أو عمة رزقت بطفل جديد، لتكتشفهم في اللقاءات العائلية، أو مناسبات الأعياد، أو الزواجات، إلى جانب الكثير من الإحراج الذي تتعرض له بسبب عدم معرفتك لأبناء أسرتك؛ مما جعل البعض يعيد النظر في علاقاتهم العائلية الكبيرة، وابتكار حلول مختلفة لجمع روابط الأسرة، أو بكل بساطة الانسحاب والاكتفاء بدائرته الأولى من والديه وإخوته. أصبح رجلاً ذكر "ربيع يوسف" أنّه كل أربع سنوات يكون هناك زواج يجمع العائلة بأكملها، بحكم أنّ البقية تكون زواجاتهم مختصرة، وحينما يتقابل أفراد العائلة تجد أنّهم قد تغيروا على بعضهم، هذا زاد وزنه، وهذا قد خسر وزنه، معتبراً أنّ كل ذلك يهون حينما يقف شخص أطول منك ويسألك: عرفتني؟ لتبادر بقولك: لا والله، من أنت ولده؟، لتكتشف أنّه إضافة جديدة في العائلة، لم تعلم بها، أو كان علمك به حينما كان في "اللفة"، ليفاجئك بأنّه دخل الجامعة، وأصبح رجلاً. ما أعرستي؟ ولفتت "أمل بشير" إلى أنّ اللقاءات العائلية الكبيرة متعبة جداً، خصوصاً التي تكون في الأعياد، حيث تتورط بكبار السن وأسئلتهم المتكررة، والتي لا يمضي بعضهم ربع ساعة إلاّ ويعيد السؤال نفسه، مضيفةً: "لا أعلم هل هو بسبب الزهايمر أو نسيان طبيعي؟، فكلما قمت بتوزيع الحلويات على النساء اضطر أن أقف خمس دقائق عند كل واحدة منهن، لتسألني: من أنتِ بنته؟، وبأي سنة؟، وكم عمرك؟، لتصدمك بالرد القاتل: يوم أنا كبرتس وأنا عندي ثلاثة عيال، وأنتِ للحين ما أعرستي؟، أو تقوم بالتحدث عن والدتي أو جدتي بالسوء، على الرغم من مساعدتي لها في انتقاء حلوى قليلة السعرات من أجل سكرها!". قريب غريب وأكّد "أبو صالح" على عدم معرفة الأقارب بعضهم لبعض في هذا الزمان، مضيفاً: "للأسف الشديد كثير من الأقارب لا يعرفون بعضهم البعض، فتجدهم أبناء عمومه فرقتهم أعمالهم، حيث يعمل كل واحد منهم في منطقه مختلفة، يتعذر عليه الالتقاء بجماعته وعائلته طوال السنة، ليفاجئوا الأولاد ببعضهم البعض وتكون الرسميات بينهم واضحة"، مبيّناً أنّه في إحدى المرات أخبرتهم ابنة أخيهم عن فتاة في مدرستها، تحمل اسم العائلة نفسه، بل وتشبههم قليلاً، وبعد التحري اكتشفوا أنّها ابنة ابن عمهم، الذي سافر بعد زواجه للخارج، ليعود بابنة في عمر الزهور، ولم يكونوا عارفين عنها أو أسرتها أي شيء، لافتاً إلى أنّ الأمر محرجٌ كثيراً، فحينما تسأل المعلمات الفتاة عن صلة القرابة بينهما، تنفي ذلك، موضحاً أنّ هذا ليس بخطئهما، وإنما يتحمله الوالدان. وش اسم أمك؟ وكشف "بدر الجهني" كيفية تمييز نسبه عن بقية أبناء عمومته، قائلاً: "كثيراً ما يقوم بعض كبار السن بإحراجنا في المناسبات، فبحكم زمانهم الذي ولّى كانوا عائلة صغيرة، يعرف بعضهم البعض، لتتوسع بعدها هذه العائلة ويصعب تميزك عن أقرانك، إما لكثرتنا أو تشابه أسمائنا، كما يفعل الكثير بمجتمعنا، فتجدهم إخوة سبعة يقومون بتسمية أولادهم البكر جميعهم باسم والدهم، فتتكرر الأسماء، ويصعب التميز، ليأتي صراخ الشايب: من أنت ولده؟، لتخبره بسابع جد لك، ولا يزال لا يميزك"، موضحاً أنّه من بعدها يتعمد إلى أن يذكر اسم والدتك "إنت ولد منيّر؟"، ليهز الابن رأسه من أجل إثبات نسبه من جهة أمه. عم صغير ونوّه "عبدالله عبدالعزيز" أنّه بحكم عمله خارج منطقة أهله وأقاربه يتعرض للإحراج دائماً، ففي مرة من المرات حضر اجتماع العائلة السنوي، ليتفاجأ بوجود طفل بجوار جده، لا ينفك بالالتصاق به، وحينما حان وقت العشاء حمله جده الذي لا يستطيع المشي على كتفه، ليدخله معه في صالة العشاء، ويجلسه بجواره، على الرغم من كراهيته للأطفال وزجره لهم دائماً، مضيفاً: "حينما عدنا إلى المنزل سألت والدي عن ذاك الطفل، إذا ما كان أحد أبناء عمومتي الصغار، ليصعقني والدي بأنّه عمي الصغير، لا أنكر أنّي صعقت في البداية، ليكملها والدي بأنّ هناك ثلاثة أطفال أيضاً، ليكون أعمامي الجدد أصغر من أطفالي". إخوة الرضاع واتفقت معه "سلوى السليمان" حول الأقارب الذين يظهرون فجأة، قائلةً: "عشنا طوال عمرنا لم نكن نعرف أنّ لنا أخاً بالرضاعة، وتحديدا أنا؛ لأنّه رضع معي، لتفاجئنا والدتي بعمر متأخر بأنّ هنالك أخاً بالرضاعة لنا، وحينما بادرنا بسؤالنا: منهو ولده؟، تصعقنا بأنّه ابن جيران لنا في حارتنا الأولى، لا أنكر حيرتنا الشديدة حيال من هو هذا الشخص؛ لأنّ والدتي تخبرنا بأنّه ولد أم متعب فقط، لنبحث في كل مكان، وكل من كان يعرفنا في الحارة القديمة عن أم متعب، ليتبين لنا امرأة من البادية، كانت تأتي لوالدتي وللجارات الأخريات، تبيع لبناً وإقطاً، بادرت والدتي في مرة من المرات بإرضاع ابنها، حينما انشغلت بالبيع للجارات، ليصبح أخانا المجهول". ولفت "عبدالعزيز السلوم" إلى أنّ صديقه كان ينوي الزواج من محيطه الاجتماعي، حيث بذلت أخواته الجهد الكثير لخطبة قريباتهن، خطب ثلاث مرات، وفي كل مرة يخطب فيها يكتشف في مرحلة ما أنّها أخته من الرضاعة، لينتقل إلى التي بعدها، أما الرابعة فقرر الابتعاد قليلاً عن محيطه، ليكلل زواجه بالنجاح والتوفيق. (40) عمّة! وشددت "عبير عبدالله" على أهمية إخبار الأقارب عن بعضهم البعض، مبيّنةً أنّه في زواج عمتها ذهبوا إلى منطقة أجدادها، حيث أصر جدها على إقامة الزواج في ذلك المكان؛ بسبب أنّ أقاربهم جميعهم يقطنون هناك، في ذلك اليوم كانت صغيرة، وتلعب مع أطفال كثر، لم تكن تعرف أنّهم أبناء وبنات عمومة لها، مضيفةً: "خلال ذلك الوقت بدأت بالشجار مع إحدى الفتيات، لتقوم بعضّها بقوة، ولم يفكها منها إلاّ امرأة في الأربعينات، لتقول لها: بناتنا ما يعضَون، ورددت عليها أني لست منكم، لتخبرني بعدها أنّها عمتي، في الحقيقة لم أكن أعلم أنّ لديّ عمات يبلغ عددهن (40) عمة، لكن بعد ما حدث بدأت أنادي الجميع بيا عمة؛ تجنباً للإحراج". إخفاء الأخبار من جهة أخرى رأت "أم الجوهرة" أنّ كثيراً من الأقارب يتعمد إخفاء بعض المعلومات؛ خوفاً من العين، مضيفةً: "في إحدى جمعاتنا مع بنات أعمامي وأمهاتهن، فوجئت بطفلتين توأمتين تلعبان مع الأطفال، لأبادر بالسؤال ب:منهن بناته؟ ليأتيني الرد الصاعق بأنّهن أبناء فلانة، والتي هي ابنة عمي شقيق والدي، ليس ذلك فحسب، بل تُعتبر من المقربين في العائلة"، مشيرةً إلى أنّها تتذكر أنّها كانت حاملاً، لكنهم أخبروها بأنّها أنجبت طفلة، وليست اثنتين، بالإضافة إلى سرعة نموهم، فقبل أيام ولدت، واليوم أصبحتا تلعبان مع الأطفال!. الحفيدة المحبوبة وقالت "موضي العيسى" إنّ جدتها لديها صعوبة في تذكر أحفادها، مضيفةً: "رزق جدي وجدتي بثلاثة عشر طفلاً، ليكبر الأطفال وينجبوا بدورهم، أما أنا وأخواتي فنحن بنات حفيدة جدتي، الأمر الذي تجد صعوبة في تذكر أسمائنا، وأشكالنا، وفي كل مرة نزورها تعود لتسألنا: من أنتن بناته؟، لنجاوبها: بنات نورة الصالح"، مبيّنةً أنّهم لو ذكروا لها اسم العائلة لن تتعرف عليهم أبداً، فهي تحب والدتهم، بحكم أنّها الحفيدة الأولى، وصالح نسبة لجدها. مجلة سنوية وبيّن "بندر الحصان" أنّه من الصعب جداً أن تجمع أسرتك في يوم واحد، فالكثير لديهم حياتهم الخاصة ومشاغلهم، الأمر الذي قد يوافق يوم اجتماع العائلة، لذلك قرروا الإفادة من التقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، وينتهون من أزمة: من أنت ولده؟، حيث أنشأوا حسابات خاصة للعائلة في مواقع التواصل، لمواكبة كل ما يستجد داخل الأسرة، بالإضافة إلى "جوال الأسرة"، الذي يعنى بأخبار العائلة، من زواج، أو قدوم مولود، أو تخرج، أو ترقية، معتبراً أنّه بذلك لا يوجد عذر لأي شخص عن عدم معرفة ما يستجد داخل العائلة، بالإضافة إلى مجلة تصدرها الأسرة سنوياً، حول أحداث السنة، وجديدها، وتكون شجرة العائلة، آخر الغلاف، مرفقة بدليل هاتف صغير لأرقام جميع الأفراد. العلاقات العائلية تؤثر على تصرفات الإنسان.. رأت هدى الصقيه -استشارية أسرية- أنّ تغير الزمان السريع سبب لتغير الكثير من سلوكياتنا، سواءً كان تغيراً إيجابياً أو سلبياً، حيث أنّ كثيرا منا يردد أن التكنولوجيا الحديثة وضغوط الحياة هي من أبعدت الإنسان عن محيطه، إلى جانب أنّ الإنسان وحده من يختار الابتعاد ويتعذر بالظروف، موضحةً أننا قد نلاحظ الكثير ينادي بالاستقلالية والخصوصية في حياته، ولكن كل ذلك أيضاً لا دخل لها بعدم ترابطك مع أفراد عائلتك الكبيرة، إذ إنّ طبيعة الإنسان اجتماعية، فحتى في عمله المضنى الذي أشغله محاط ببيئة بشرية يتواصل ويتخاطب معها، كذلك الأمر في التقنية، فانكباب الإنسان عليها ما هو إلى برامج تواصلية اجتماعية بحتة، معتبرةً أنّ الاجتماعات العائلية الكبيرة والالتزام بحضورها يبتدئ بالنواة وهي الأسرة الصغيرة، فالذكاء العاطفي والاجتماعي يعزز في الطفولة المبكرة لتستمر معه لمرحلة النضج، ليصبح الشخص يجيد التواصل الاجتماعي ضمن إطار العائلة الصغيرة والكبيرة، بالتأكيد المسؤولية الأولى والدور الأكبر يقع على عاتق الكبار أو الذين يؤخذ بآرائهم في العائلة، حول وجوب ترابط الأسر الكبيرة وتكاتفها، يوجد حلول الكثيرة لمناقشة هذه الاجتماعات وأهمها الالتزام بها. وأضافت أنّ النظام العائلي قد يكون مختصاً بشعوب دون سواها، فارتباط مجتمع شبه الجزيرة بعادات وتقاليد حول أهمية ترابطه أفراد القبيلة، ومعرفتهم، ومساعدتهم لبعضهم جاء الإسلام مشدداً ومضيفاً لهذا التكوين، فالعديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تؤكد على صلة الرحم وترابط الأسرة، معتبرةً أنّ فكرة الاجتماع العائلي بدأت في منتصف التسعينات، رغبةً من كبار العائلة في لم شتات أفرادها بعد التطور الاقتصادي والتقني، الأمر الذي يعدّ إيجابياً، بعيداً عن النعرات والقبليات والحماسة لقبيلة دون سواها؛ مما خفف كثيراً من سؤال الأفراد بعضهم لبعض "من أنت ولده" أو "من أنتِ بنته"، بالإضافة لمساندة الأفراد بعضهم لبعض مالياً، واجتماعياً، ونفسياً، مشددةً على أنّ فكرة الاجتماع العائلي مدنية للحفاظ على أواصل العائلة الكبيرة ضد رياح التفكك والتباعد. انتماء وطمأنينة..! كون الإنسان ينتمي إلى عائلة فهي نعمة، وكلما ازدادت عائلتك عدداً فأنت تعتبر من المحظوظين، فهناك حقائق بشرية تثبت أهمية حاجة الانتماء لدى الإنسان، تأتي هذه الأهمية في المقدمة قبل أهمية المكان والاستقرار، ولا بد أن تعلم عزيزي القارئ أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، وهذا ما يميزه عند بقية المخلوقات، حيث لا يستطيع العيش بمفرده ويميل إلى الالتقاء والعيش في مجموعات كبيرة كانت أو صغيرة، فمن ألذ المشاعر هي المشاعر الأسرية والقرابة، كما أنّ التواصل الاجتماعي مهم جداً في تكوين شخصية الفرد، حيث يشعره هذا التماسك بالانتماء والطمأنينة والأمان، كما يعزز لديه الثقة والقوة لذلك تجد الكثيرين يرون عائلتهم مصدرا للفخر والعزة، بالإضافة إلى أنّ أعمق الدوافع البشرية أن تكون مهماً، ولن يتحقق ذلك إلاّ في بيئة عائلتك الكبيرة بسبب ارتباطك بالاسم والدم، لا تلم أقاربك بعدم معرفتهم.. كن أنت المبادر بالتعرف عليهم، واستغل مواسم العبادات والأعياد بزيارتهم، والتواصل معهم، وسؤالهم عن كل جديد، واحرص على أن يتوارث أبناؤك أفعالك، فمتى ما وصلت وصلوا ومتى ما قطعت قطعوا، وحينما تقرر قطع علاقاتك بعائلتك فتأكد أنّه في يوم ما سيتقاطعون فيما بينهم، واستغل اجتماع الأسرة السنوي، وخصص له من وقتك للتعرف فيه على العائلة، وأخبارهم؛ ليزيد من الحب والوئام والحميمية والصلة بين الأرحام. هشتقة