×
محافظة المدينة المنورة

طيبة النسائية تطلق برنامجها آفاق طيبة

صورة الخبر

رسالة الأمل التي يرغب المبعوث الأممي برناردينو ليون أن يرسلها إلى الشعب الليبي بإمكانية التوصل إلى اتفاق بين الفرقاء الليبيين لتشكيل حكومة وحدة وطنية، لن تكون ذات مضمون جدي ما لم تترافق مع آلية واضحة لنزع سلاح المليشيات في البلاد. فالأزمة الليبية لا تكمن في غياب حكومة وحدة وطنية، لكن جوهر الأزمة هو تفشي المليشيات المسلحة في أنحاء البلاد وإعاقتها أي محاولة لتأسيس دولة حديثة على أنقاض دولة القذافي. فقد فشلت الحكومات الليبية السابقة، مثل حكومة السيد الكيب وحكومة علي زيدان، في بناء الدولة المرتجاة بسبب المليشيات المسلحة وما تثيره من فوضى. بل إن بعض هذه الحكومات تعرض للإذلال، مثل رئيس الوزراء الأسبق علي زيدان الذي تعرض للاختطاف من قبل مسلحي غرفة عمليات ثوار ليبيا ووحدة مكافحة الجرائم عام 2013. وكلتا الجهتين كانتا تتبعان وزارة الداخلية آنذاك، في دلالة على عمق الأزمة حين تتداخل خطوط التماس بين مؤسسات الدولة وسلوك المليشيات. وفي ظل هذه الحكومات شهدت ليبيا أكثر من محاولة لدمج المليشيات في الأجهزة الأمنية والجيش الوطني ونزع سلاح البعض الآخر. إلا أن هذه الجهود باءت بالفشل لأسباب عدة في مقدمها الإخفاق السياسي ومناخ عدم الثقة في أجهزة الأمن التي ورثتها الثورة الليبية، إضافة إلى المزايا الكبيرة التي يحصل عليها أعضاء هذه الجماعات المسلحة. خطة المبعوث الدولي تتركز على التوصل الى حكومة توافق ومجلس رئاسي مكون من البرلمان الليبي المنتخب في طبرق والمؤتمر الوطني العام المنتهة ولايته في طرابلس، كما أنه يتطرق إلى ترتيبات أمنية تلي ترتيب الملف السياسي. إلا أن السؤال الصعب هو مدى التزام من بيدهم السلاح بهذه الترتيبات، خاصة أن المكون العسكري في كلا الفريقين لا تتطابق وجهة نظره مع المكون السياسي حيال ما يطرحه المبعوث الدولي لحل الأزمة. سطوة المليشيات السؤال الأساسي في ليبيا اليوم هو سطوة المليشيات المسلحة وتشكيلها دولة موازية للدولة الرسمية التي يمثلها برلمان طبرق المنتخب والمعترف به دوليا. وأي حل مطروح للأزمة لا يتناول بالتفصيل كيفية معالجة هذه المسألة لن يكتب له النجاح. وفي ظل رفض الدول الكبرى التدخل عسكريا لقتال الجماعات الإرهابية والمتشددة في ليبيا لن يتبقى إلا الحلول السياسية وسيلة للتعامل مع هذه المشكلة. غير أن السياسة عاجزة إلى الآن عن حل هذه المعضلة التي ازدادت تعقيدا بظهور امتدادات لتنظيم الدولة والقاعدة في درنة وسرت، فما الجديد الذي يقدمه ليون لمعالجة الموقف. تاريخيا تتكون ليبيا من ثلاث مناطق، فزان في الجنوب وطرابلس في الغرب وبرقة في الشرق، بينما تمثل القبيلة المكون الرئيسي للمجتمع الليبي. وهذا الوضع يخلق اصفافات جهوية وقبلية كرست تمسك الجماعات بالسلاح كضمانة للحقوق والمصالح في دولة غنية بالنفط ومستقبل قيد التشكل. كل هذا أدى إلى تجذر ثقافة المليشيات وجعل التخلي عن السلاح أمرا عصيا خاصة في ظل غياب بدائل ممكنة. لقد تغذت المليشيات على شيئين: الأول هو الفراغ الأمني الذي نشأ عقب سقوط القذافي، والثاني توافر السلاح بكافة أنواعه وأشكاله في الأراضي الليبية. وفي ظل هذا الفراغ قامت المليشيات ببعض الأدوار المنوطة أساسا بالدولة مثل حراسة السجون والحدود والمنشآت الحيوية بالبلاد، مما أضفى على بعضها نوعا من الشرعية. ووفقا لتقدير جهاز الاستخبارات البريطاني، فإن ليبيا عقب الإطاحة بالقذافي كان فيها مليون طن من الأسلحة، أي أكثر مما لدى الجيش البريطاني. أما آخر التقارير الصادرة بشأن الأسلحة في ليبيا، وهو التقرير الصادر عن مؤسسة غير حكومية جزائرية الأسبوع الماضي، فيقدر عدد قطع السلاح في البلاد بما يتراوح بين 22–28 مليون قطعة سلاح. ويشير التقرير إلى أن هذه الأسلحة تضم الصواريخ بكافة أنواعها، بما فيها الصواريخ المضادة للطائرات، إضافة إلى وجود حوالي 1000 تاجر سلاح ينتشرون في الأراضي الليبية. وتشير بعض التقديرات إلى أن مليشيات مصراته التابعة لفجر ليبيا تمتلك حوالي 800 دبابة، بما يفوق ما يمتلكه الجيش الوطني. ولا تزال في الملف الليبي أسئلة تبحث عن إجابات، وهو غياب أي دور للأمم المتحدة، في أعقاب سقوط القذافي وانهيار مؤسسات الدولة، في ترتيب الأوضاع الأمنية والمساعدة في بناء مؤسسات بديلة مثلما فعلت المنظمة الدولية في صراعات مشابهة في العالم. ليبيا ليست فقط غارقة في الفوضى، لكنها غارقة في فوضى عميقة تتقاطع فيها المصالح والجهات والقبائل والرؤى والأفكار. غير أن اختلاف الرؤى لم يكن يوما عائقا أمام نهوض الدول وبناء المجتمعات، إلا إذا تحول إلى صراع مسلح يكون الحكم فيه للسلاح.