هل بالغ المصريون في التعبير عن فرحتهم بالمؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ بصورة غير طبيعية؟ عند الإجابة عن السؤال يجب الإقرار بأن التنظيم الجيد والدقيق لمؤتمر حضره آلاف يعد إنجازاً، خصوصاً أن بين الحضور زعماء عرباً ورؤساء حكومات عربية وأجنبية ووزراء من غالبية دول العالم ومسؤولين كباراً في مؤسسات دولية ورؤساء وأصحاب شركات عملاقة، إضافة إلى المستثمرين العرب والمصريين. لكن الحقيقة أنها ليست المرة الأولى التي تنفذ فيها مصر مؤتمراً بالمستوى نفسه. فغالبية المؤتمرات الكبرى التي عقدت في مصر على مدى سنوات حققت نجاحاً تنظيمياً لافتاً، سواء في القاهرة أو شرم الشيخ. صحيح أن الظروف الأمنية هذه المرة صعبة والإرهاب مازال موجوداً في جزء آخر من سيناء التي أعلنها تنظيم «داعش» ولاية تابعة له، كما أن عنف «الإخوان» في الشوارع وقنابل الجماعة العشوائية مازالت تتفجر هنا وهناك، لكن وقوف الدولة المصرية بكل أجهزتها ومساندة الشعب للرئيس عبدالفتاح السيسي واستنفار الجيش والشرطة لحفظ أمن المدينة وتأمين الضيوف والإمكانات الكبيرة التي وُفِّرَت والشركة ذات الخبرة في تنظيم المؤتمرات التي تولت ترتيبه وتنفيذه، تضافرت لمرور المؤتمر على خير من كل الوجوه. وبالتالي فالأمر ليس جديداً، حتى في ظل الظروف الأمنية وتهديدات الإرهابيين ومحاولات «الإخوان» عرقلة عقد المؤتمر. الفارق هذه المرة أنها الأولى التي ينتظر فيها المصريون نتائج لمؤتمر قبل عقده ثم يفاجأون خلاله وبعده أنه فتح لهم أفاقاً واسعة نحو المستقبل، وأنار لهم بقعة ضوء كبيرة في نهاية نفق ظلوا فيه منذ الثورة. رأى المصريون أن الطائر المصري الجريح ينهض وينمو من جديد، أو قل إنهم نالوا الأمل بأن يحدث ذلك بعدما ظلوا على مدى أربع سنوات لا يرون إلا مشاهد الدمار والحرائق والعنف، ولا يسمعون إلا هتافات التظاهرات وصراخ الجرحى وأصوات قنابل الغاز أو عبوات «المولوتوف»، وأخيراً قنابل «الإخوان» عند محولات الكهرباء وأبراجها وفي القطارات ومحطات المترو ووسط التجمعات السكانية. صحيح أن بعض الاقتصاديين يقرّون بأن أموالاً ضخمة ستتدفق على مصر كنتيجة للمؤتمر، سواء من الودائع والاستثمارات التي أعلنتها السعودية والكويت والإمارات أو من الاتفاقات ومذكرات التفاهم التي وقعت لمشاريع عملاقة كالعاصمة الإدارية الجديدة أو محطات الكهرباء أو الطرق والبنية التحتية، إلا أن هؤلاء يخشون من أن يتحقق نمو اقتصادي من دون تنمية تعود بفوائدها على المواطن البسيط، رغم رد مسؤولين مصريين على المخاوف بالتأكيد أن الهدف هو «تنمية حقيقية وليس مجرد نمو». أفضت وقائع المؤتمر شكلاً ومضموناً إلى ارتياح كبير لدى المواطن المصري الذي اضطر إلى أن يتذكر «مشروع النهضة» الذي كان أعده نائب مرشد «الإخوان» خيرت الشاطر وأعلنه الرئيس المعزول محمد مرسي مبشراً المصريين بأن أحوالهم في المستقبل ستنصلح وأن الرخاء سيسود وأن التنمية ستغطي ربوع البلاد، وتذكروا أيضاً أن ذلك المشروع لم يتضمن أي تفاصيل أو أرقام أو تواريخ لتنفيذه. وحينما وجد «الإخوان» أنفسهم أمام إلحاح وأسئلة متكررة دفعوا بمرسي ليشرح لمن لم يفهموا كيف أن «مشروع النهضة عبارة عن طائر له رأس ومقدمة وجسم وجناحان ومؤخرة»، ما آثار ضحك المصريين الذين حولوا «طائر النهضة» إلى مادة للسخرية والتهكم، بل وأحياناً للخجل! قد يتحقق بعض نتائج مؤتمر شرم الشيخ أو كلها، أو قد تتعثر بعض المشاريع، لكن الحقيقة التي لا تقبل الجدل هي أن المصريين يشعرون بأمل بالمستقبل، وأن المناخ العام مختلف جذرياً عن مناخ «طائر النهضة» والمشروع «الإخواني»، وأن الحديث الآن بات عن أرقام ومشاريع ومعدلات تنمية وخطط للإنجاز بعدما كان عن رأس الطائر وجسمه ومؤخرته!