قد لا أكون محترفة في عالم الرياضة، أو أمارس لعبة كرة القدم، أو أتابع بشغف مباريات الكرة الدائرية التي تستقطب الملايين خصوصا عند إقامة كأس العالم، ولكني أرغب وبشدة بحدوث تغيير جذري في الاتحاد الدولي لكرة القدم، الفيفا، ربما لأني سئمت من صورة سيب بلاتر في جميع المناسبات والنشاطات الكروية العالمية، وربما من أجل أن تحظى سيدات أخريات يعشقن هذه الرياضة بفرصة أفضل في ممارستها. من وجهة نظر شخصية، لا أرغب في رؤية سيب بلاتر يفوز بولاية خامسة في هذا المنصب، فالرجل احتفل قبل عدة أيام بعيد ميلاده التاسع والسبعين، أي أن الأوان قد حل ليتقاعد، ولربما ليمارس هواياته المفضلة غير رئاسة الفيفا واتخاذ قرارات مصيرية بشأن اللعبة الأكثر سحرا في العالم. كما أن الوقت قد حل لتأتي شخصية رياضية جديدة تتسلم رئاسة الاتحاد وتبث فيه دماء جديدة تعكس شبابية هذه اللعبة. المرشحون الثلاثة المنافسون لبلاتر هم لويس فيغو، وهو لاعب سابق في المنتخب البرتغالي، ومايكل فان براغ، الرئيس الحالي للاتحاد الهولندي لكرة القدم، والأمير علي بن الحسين، الذي يشغل حاليا منصب نائب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم. أي من هؤلاء الثلاثة سيحدثون تغييرا جذريا في الاتحاد الدولي الكروي بالتأكيد، إلا أنني وبصورة شخصية أرغب في رؤية الأمير الأردني يشغل هذا المنصب خلال السنوات الأربعة المقبلة، لعدة أسباب. أولا، وصول الأمير علي بن الحسين إلى هذا المنصب سيكون سابقة في تاريخ الاتحاد، إذ ستكون هذه هي المرة الأولى التي تتسلم فيها شخصية عربية من منطقة الشرق الأوسط هذا المنصب الرفيع، وبالتالي صورة المنطقة بشكل عام قد تشهد تغييرا نوعيا، فبدلا من كونها منطقة حروب لا تصدر سوى القتلة و"الإرهابيين"، سيُشهد لها أيضا بتقديمها نماذج مشرقة قادرة على قيادة مؤسسات دولية كالفيفا. ثانيا، كان الأمير علي بن الحسين على رأس حملة طالبت الفيفا لسنوات بالسماح للاعبات المسلمات بارتداء الحجاب خلال مباريات كرة القدم، وهو قرار صدر أخيرا العام الماضي، وسجل لمصلحة الأمير الأردني، إذ أنه سمح للعديد من اللاعبات المسلمات بالتركيز على ممارسة هوايتهن المفضلة، وحصلن أخيرا على حقهن في اللعب من دون المساس بحريتهن الدينية. أحد الأسباب الأخرى التي تجعل من الأمير علي بن الحسين شخصا مثاليا لاستلام هذا المنصب هو خبرته في مجال الإدارة الكروية، وسمعته الطيبة في الأوساط الرياضية، فحين كان رئيسا للاتحاد الأردني لكرة القدم (ولا يزال) شهد أداء منتخب بلاده تطورا مذهلا، إذ تمكن من الوصول إلى بطولات لم ينافس فيها بتاتا، كما أنه حقق تقدما كبيرا على قائمة ترتيب المنتخبات العالمية التي تصدرها الفيفا. وإلى جانب ذلك، كان الأمير الأردني على رأس فريق قام بتأسيس اتحاد غرب آسيا، الذي ضم في بادئ الأمر ستة منتخبات، لترتفع وتصل اليوم إلى 12 منتخبا. هذه المنتخبات لم تجد سابقا مظلة تضمها، وتتابع تطورها أو تراجعها، أما مع وجود مثل هذه الاتحاد، فيبدو من الواضح أن شخصية قيادية، كالأمير الأردني الشاب، لديها قدرة على تسلم هيئات دولية كالاتحاد الدولي لكرة القدم. ولا تخفى على أحد الشعبية التي تحظى بها العائلة المالكة في الأردن، فلطالما برز الملك عبد الله وزوجته الملكة رانيا كشخصيتين شابتين تقدمان صورة حضارية عن بلدهما الأردن، وهو ما يضاف إلى رصيد علي بن الحسين، كما أن شقيقته الأميرة هيا، ترأست الاتحاد الدولي للفروسية، وتركت بصمة طيبة بشهادة الكثيرين، إلى جانب أن زوجته، الأميرة ريم، هي ابنة سياسي جزائري مخضرم، وهي ذاتها شخصية إعلامية عملت في العديد من وسائل الإعلام، لعل من أبرزها شبكة CNN العالمية. السبب الأخير الذي يجعل من علي بن الحسين شخصية مثالية لاستلام هذا المنصب هو انتماؤه إلى فئة الشباب، فهو لم يبلغ بعد سن الأربعين، وبالتالي فتركيزه الأساسي سيكون على تنمية الأجيال الشابة وتقديم الدعم لها للارتقاء بهذه اللعبة، وكونه يأتي من بلد فقير في موارده، سيجعل من اهتمامه بالاتحادات الرياضية في الدول النامية أكبر، إذ أنه يشعر بالتأكيد بحجم المعاناة التي تعانيها الأندية الكروية والاتحادات الرياضية في مثل هذه الدول. كثيرون يرون أن النتيجة محسومة لصالح بلاتر، فالرجل تمكن على مدار السنوات الماضية من حشد دعم شخصي له يستخدمه في مثل هذه المواقف، وبصرف النظر عن جميع قضايا الفساد التي اتهم فيها، لا ننكر أنه نجح في أن يكون الشخصية الأبرز والأكثر جدلا على مستوى لعبة كرة القدم. برغم كل ذلك، باب المفاجآت لا يزال مفتوحا، وقد يكون الأمير الأردني الشاب هو تلك المفاجأة غير المتوقعة. فمن منا في هذا الجزء من العالم لا يرغب برؤية شخصية عربية تتسلم مهام أعلى مؤسسة كروية؟ عالم كرة القدم حمل لنا على مدار السنين الماضية مفاجآت بعضها كان غريبا، وبعضها الآخر كان متوقعا، فهل سيكون فشل بلاتر ونجاح مرشح آخر كالأمير علي بن الحسين هو مفاجأة اللعبة السحرية لهذا العام؟ بانتظار يوم التاسع والعشرين من مايو/ أيار المقبل لمعرفة الإجابات عن كل تلك التساؤلات.