×
محافظة حائل

"سياحة حائل" تحذّر من التعامل مع الوكالات والفنادق غير المرخصة

صورة الخبر

ليس لأمةٍ أن تنال رقياً أو تُحدثَ تقدماً أو تصنع حضارةً إلا بعبورٍ أنيق من بوابة عملاقة عنوانها (العلم والتعلم والتعليم)، مكوناتٌ ثلاثة متداخلة من شأنها أن تجلب كل متطلبات البناء للإنسان والأوطان. وليس لتلك المتطلبات أن تسمو في تحقيقها إلا بنظام تعليمي فاعل في التخطيط والتنفيذ والتقويم والتحسين، نظامٍ مستند إلى موروث تراكمت فيه مقومات النجاح في جميع مكونات المنظومة، لأجل ذلك سعت الحكومات لجعل التعليم ونظامه هو النقطة الأولى للانطلاق والتميز. ومن تلك الأنظمة التعليمية الرائدة الجديرة بالإفادة والاستئناس (نظام التعليم الفنلندي)، حيث صنفه تقرير بيرسون عن التعليم الصادر بالعام (2012) الأعلى على مستوى العالم في المهارات المعرفية والتحصيل العلمي. سنحت لي في الأسبوع المنصرم فرصة الاطلاع على التجربة الفنلندية في التعليم بالعاصمة «هلسنكي»، من خلال جولات ميدانية شملت أربع مدارس متنوعة تخللها حضور حصص تدريسية ولقاءات بالقيادات في تلك المدارس ومحاضرة عن التعليم الفنلندي بجامعة هلسنكي، ولعل أبرز المشاهدات المُلتقطة من التجربة الفنلندية في التعليم: • القيمة العالية للمعلم الذي يُمثل نخبة النخبة، فهو لا يصل إلى هذه المهنة الأكثر احتراماً لديهم إلا بعد تجاوزه لعدة محطات للنجاح والتميز، ومن أبرز تلك المحطات حصوله على درجة الماجستير، فمعايير مهنة التعليم عالية جداً من يصل إليها يُشار إليه بالبنان في مجتمعه، وبالتالي مهنة التعليم تعني قيمة اجتماعية وثقافية عالية مَنَحت المعلمين الثقة الكاملة من الآباء والأبناء، بل إن تلك القيمة والمستوى العلمي والعملي الرفيع الذي يتمتع به صاحب هذه المهنة رفع عنه أنظمة الرقابة الإدارية أو الإشراف التربوي ومنحه المزيد من الاستقلالية في تصميم المناهج والأنشطة ضمن الخطوط العريضة التي تضعها وزارة الثقافة والتعليم. • تعليم الطلاب كيف يتعلمون ويمتلكون آليات التعلم بأنفسهم مُرتكزٌ أساسي في النظام التعليمي الفنلندي، يقول باسي سالبرج من وزارة التعليم والثقافة الفنلندية كما يذكر الدكتور عزام الدخيل في كتابه (تعلومهم) في معرض حديثه أيضا عن التجربة الفنلندية: «إننا نعد التلاميذ لتعلم آلية التعلم، وليس للنجاح في الاختبارات، لسنا مهتمين كثيراً باختبارات بيزا الدولية لكونها تقع خارج دائرة أهدافنا...» وفي إطار ذلك وفي ظل الثقة المتبادلة بين المعلم والطالب يمكن للطالب في مراحل متقدمة نقد ذاته وتحديد احتياجاته وتصميم منهج تعلمه بنفسه. • العمل على تشخيص الضعف وعلاجه منذ مرحلة مبكرة في الروضة حيث يكون العلاج أسهل والأثر أسرع، فالعاملون في هذه المرحلة يحملون أيضاً مؤهل الماجستير في التربية، ولديهم القدرة على صناعة المحكات التي تبرز جوانب الضعف لدى الطلاب وأدوات التشخيص المناسبة، وتستمر عملية معالجة الضعف حين يلتقي معلمو المرحلة الأولى بمعلمي الروضة لنقاش مستويات الطلاب واحدًا واحدًا، وتمتد عملية المعالجة للضعف في مراحل تالية تمنح الطالب مناهج موازية بمفردات أقل وبرامج موجهة، كما أنه غالباً لدى كل معلم معلم آخر مساعد له في الفصل يُسهم في متابعة بعض الحالات، وقد تمتد عملية معالجة الضعف إلى فتح فصول خاصة لهذه الفئة. لأجل ذلك يُعد الفارق لديهم بين أضعف الطلبة وأفضلهم الأخفض في العالم وفقاً لأحدث إحصائيات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وفي هذا الإطار تساءلت: إذا كان هنالك ضعف بالتأكيد هنالك موهوبون وعباقرة، أليس من المساواة أيضاً أن يكون لهم برنامج مواز لاكتشافهم من وقت مبكر وتقديم برامج تنمي مواهبهم وتتحدى قدراتهم قبل فتورها؟ أجاب المختص: أتفق معك، وهذا ضعف في تعليمنا وأنظمتنا، ولكن الدراسات لم تشر إلى تقلص عدد الموهوبين لدينا، نحن نمنح فقط للمتميزين في الرياضيات مسائل أكثر صعوبة، وتركيزنا الحالي في هذا الاتجاه. • تعمل بعض المدارس على منح المعلمين حصص إعداد تقابل الحصص التدريسية داخلة ضمن النصاب العام للمعلم، فنظير كل حصة تدريسية حصة أخرى للإعداد، فمن لديه مثلاً(١٠) حصص تدريسية سيكون نظيرها(١٠)حصص للإعداد، وبالتالي مجموع النصاب سيكون (٢٠) حصة. ولمدير المدرسة نصابٌ قليل يحافظ فيه على حقه من القيمة العالية لهذه المهنة ويبقيه على اتصال بالمادة التدريسية والعملية التربوية في المكان الأهم (الفصل الدراسي). • العدل والمساواة في التعليم الفنلندي، إذ يجب توفير فرص التعليم نفسها لكل من يقيم على الأرض الفنلندية، ومن المشاهدات في هذا الجانب مدرسة ليس بها إلا خمسة طلاب عرب تم توفير معلم وحصص لهم بلغتهم، فالطالب يتعلم أكثر ويرتفع تحصيله من خلال مفردات لغته الأم. التجربة الفنلندية في التعليم كغيرها من التجارب بُنيت على تراكمات ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية أسهمت في صياغة نظامها التعليمي، لذلك هي قابلة للاستئناس والإفادة لا الاستنساخ، فلكل مجتمع تراكماته وأسسه التي بُني عليها، وتبقى الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها أخذها، ويبقى الأهم صناعة النور الذي يُرى مداه البعيد. مشرف تربوي بمدارس الهيئة الملكية