×
محافظة مكة المكرمة

وزارة التعليم تكمل استعداداتها لإطلاق المؤتمر الطلابي السادس بجدة

صورة الخبر

مباشرة بعد قبول الرياض لطلب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بنقل الحوار بين مختلف الجهات اليمنية للرياض، ظهرت ردة فعل متوترة ومنفعلة بشكل كبير من قبل جماعة الحوثي التي انقلبت على السلطة الشرعية وعلى الرئيس المنتخب شعبياً. هذا التوتر والانفعال من جماعة الحوثي تبعه بشكل مباشر انفعال وتوتر كبير جداً من قبل الداعمين للجماعة الحوثية من الدولة الإيرانية التي تدعم الجماعة في انقلابها بمختلف صوره. وهنا يأتي التساؤل الرئيس وهو لماذا جاءت ردة فعل جماعة الحوثي بداية والإيرانية تالياً ضد قبول الرياض لطلب الرئيس الشرعي لليمن؟ فإذا ما افترضنا أنهم تفاجأوا بقبول الرياض دعوة الرئيس اليمني، فإن هذا الافتراض لا يستقيم مع التاريخ السياسي والمتمثل في المبادرة الخليجية الخاصة باليمن والتي وقعت في الرياض في 23 نوفمبر 2011م. لذلك فقبول الرياض ليس بالأمر الجديد ولم يكن بالمفاجئ لجماعة الحوثي ولا لمن يدعمهم في الدولة الإيرانية. إذاً لماذا يزداد توتر جماعة الحوثي ومن يدعمهم في الدولة الإيرانية من حوار الفرقاء السياسيين اليمنين في الرياض. في اعتقادي أن هناك عدة أسباب، ويمكن عرض بعضاً منها في النقاط التالية: أولاً: خروج الرئيس هادي ووزير الدفاع اليمني اللواء محمود الصبيحي من صنعاء ووصولهم لعدن. فجماعة الحوثي كانت تأمل بتغيب الشرعية السياسية في اليمن خاصةً وأن الرئيس هادي جاء بناء على المبادرة الخليجية وبشرعية انتخابية يمنية. لذلك فإن عودة الرئيس وطلبه من الرياض استضافة الحوار اليمني يعني مباشرة بعودة الشرعية السياسية والشعبية للمتحاورين اليمنيين على حساب الانقلاب الذي افترض نهاية المبادرة الخليجية وغياب رموزها السياسيين. ثانياً: عودة الدور السياسي للشرعية اليمينة من مدينة عدن العاصمة السياسية الثانية والاقتصادية في اليمن. ففي أسوأ الأحوال لم تكن جماعة الحوثي تتوقع أن تفقد مركز القيادة السياسية والاقتصادية في عدن في هذه السرعة خاصةً وأنها كانت تُمني النفس بأنها سيطرت على جميع الأراضي اليمنية بما فيها مدينة عدن. فمثل هذا التطور السياسي يأتي سلبياً على جماعة الحوثي من الناحية السياسية بشكل مباشر خاصةً بعد اعلانها الدستوري. ثالثاً: العبء الاقتصادي الثقيل: وجدت جماعة الحوثي نفسها أمام مطالب وواجبات كبيرة في المساحة الجغرافية التي سيطرت عليها عسكرياً وفي نفس الوقت لا تملك امكانات اقتصادية تمكنها من تلبية الحاجات الضرورية. ففي الوقت الذي كانت فيه جماعة الحوثي تتوقع نجاح انقلابها وفرض الأمر الواقع على كامل المحافظات اليمنية مما يمكنها من استغلال المقدرات الموجودة في تلك الأراضي، فجأة وجدت كل مخططاتها الاقتصادية تتراجع بشكل كبير لتسقط أمام حوار الرياض الذي سيعيد الوحدة للأراضي اليمينية تحت قيادة الرئيس الشرعي. رابعاً: تصاعد العبء الاقتصادي والمادي: كانت جماعة الحوثي تتوقع بأن فرض الأمر الواقع على كامل المحافظات اليمينة سيفرض على دول مجلس التعاون الاستمرار بتقديم الدعم الاقتصادي والمادي بدعوى أن هذه الدول لا تريد أن ترى فوضى في اليمن قد تؤدي لنزاعات داخلية تؤثر عليها. هذا التوقع لجماعة الحوثي سقط سقوطاً كبيراً بقبول الرياض دعوة الرئيس اليمني، مما يعني أن دول مجلس التعاون لن تقدم دعماً اقتصادياً ولا مادياً إلا للسلطة الشرعية في اليمن والمتمثلة في الرئيس هادي وحكومته. وبالتالي تعرف جماعة الحوثي بأنه في الوقت الذي تفتقد فيه للإمكانات الاقتصادية والمادية لكي تتمكن من فرض سلطتها السياسية على المناطق التي سيطرت عليها بالسلاح، فإن السلطة الشرعية في عدن ستجد الدعم الاقتصادي والمادي الذي يمكنها من تلبية الحاجات الشعبية في باقي المحافظات اليمنية مما يزيد من شعبية الشرعية السياسية على حساب انقلاب جماعة الحوثي. خامساً: تصاعد الاحتجاجات الشعبية في المناطق التي تقع تحت سيطرة جماعة الحوثي. فبالإضافة للمعاناة الاقتصادية والمادية التي يعاني منها سكان المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، نجد أن إغلاق سفارات دول مجلس التعاون بشكل خاص تزيد من الرفض الشعبي لجماعة الحوثي وخاصة فيما يتعلق بالحصول على تصاريح رسمية للقدوم للعمل في دول المجلس. فبالإضافة لعبء الذهاب لمدينة عدن حيث تعمل سفارات دول مجلس التعاون، فإن إمكانية الحصول على تأشيرة عمل أصبحت أكثر صعوبة لاعتبارات كثيرة. سادساً: غياب الرصيد الشعبي لجماعة الحوثي في اليمن. فبالإضافة لكون جماعة الحوثي لا تشكل نسبة شعبية في اليمن، فإن عودة الحوار اليمني للرياض يعني تآكل الرصيد المتواضع لجماعة الحوثي وتزايد الرافضين لهم. وإذا كانت هذه بعض الأسباب الداخلية التي جعلت جماعة الحوثي تتوتر وتنفعل من حوار الرياض، فإن هناك أسباب خارجية زادت من حدة التوتر والانفعال لدى جماعة الحوثي وفرضت عليهم ضغوطات كبيرة. هذه الأسباب الخارجية آتية من الدولة الإيرانية التي تدعم جماعة الحوثي وتقدم له الخطط والاستراتيجيات التي تمكنه من تحقيق الأهداف الإيرانية في اليمن. ومن هذه الأسباب الخارجية: أولاً: القلق الإيراني من تصاعد العبء الاقتصادي في اليمن. فالإيرانيون كانوا يتوقعون بأن سيطرة جماعة الحوثي على صنعاء يعني تمكنهم من إدارة الدولة سياسياً واقتصادياً ومالياً، وبالتالي حكم الدولة اليمنية في جميع المجالات برغبة ورؤية سياسية إيرانية ومن غير اعباء أخرى. هذه الرغبة الإيرانية سقطت بشكل كبير عندما وجد الإيرانيون أنفسهم أمام جماعة لا تملك امكانات اقتصادية ولا قدرات مالية ولا تسيطر على موارد تمكنها من إدارة شؤونها، وبالتالي إما أن يسقطوا سريعاً في الحكم أو أن يحصلوا على دعم اقتصادي ومادي من الدولة الإيرانية. هنا وجد الإيرانيون أنفسهم أمام وضع صعب جداً، فإما أن تسقط جماعة الحوثي، أو أن تتحمل الدولة الإيرانية الأعباء في الوقت الذي لا يستطيع الاقتصاد الإيراني تحمل عبء دعم جماعة الحوثي لفترة طويلة. فالاقتصاد الإيراني لم يستطع الوفاء بمتطلبات الشعب الإيراني، فكيف يستطيع تقديم الدعم الاقتصادي والمادي لجماعة الحوثي المنهكة اقتصادية ومالياً. لذلك نجد أن جماعة الحوثي توترت بشكل كبير من حوار الرياض. فجماعة الحوثي تخشى بأن مسألة بقائها وإمكانية إقناع إيران بذلك تتعلق بنتائج حوار الرياض. ثانياً: تصاعد الضغط الإيراني على جماعة الحوثي. بفقدها للمقدرات الاقتصادية والمادية داخليا وللدعم الخارجي، وجدت جماعة الحوثي نفسها أماما الدعم الإيراني فقط. فعلى الرغم من ارتباط جماعة الحوثي بالدولة الإيرانية، إلا أن رغبتهم كانت تتمثل في الحصول على نوع من الاستقلال في بعض القرارات خوفاً من أن يظهروا وكأنهم عملاء ومرتزقة للدولة الإيرانية. ولكن التطورات السياسية وخاصة فيما يتعلق بعودة الرئيس هادي وحوار الرياض جعل الدور الإيراني أكثر بروزاً وجعل جماعة الحوثي تظهر وكأنها أداة تنفيذ للسياسة الإيرانية في المناطق التي تسيطر عليها. هذا الوضع أظهر جماعة الحوثي وكأنهم عملاء ومرتزقة للدولة الإيرانية على حساب دولتهم اليمن، مما جعل التوتر والانفعال سمة لازمت تصريحاتهم وأقوالهم بعد الدعوة لحوار الرياض. ثالثاً: سقوط الآمال الإيرانية في السيطرة على كامل الدولة اليمنية. فالإيرانيون بنوا آمالاً كبيرة على جماعة الحوثي في السيطرة على كامل المحافظات والأراضي اليمنية وذلك رغبةً في زيادة نفوذهم السياسي في المنطقة. ففي الوقت الذي كان الإيرانيون يتطلعون للتواجد على بحر العرب وخليج عدن وفي نفس الوقت على كامل الحدود اليمنية مع المملكة العربية السعودية ومع سلطنة عُمان، ظهر الرئيس هادي في عدن ممارساً لسلطته السياسية وداعياً للحوار بين الفرقاء السياسيين اليمنيين بالطرق الشرعية السياسية وأن يكون هذا الحوار من العاصمة التي رعت المبادرة الخليجية. هذه التطورات السياسية جعلت جماعة الحوثي أكثر توتراً وانفعالاً وجعلتهم يتوقعون ردة فعل أكثر سلبية من الدولة الإيرانية التي تستخدمهم لتحقيق مكاسبها السياسية. وأخيراً، ففي الوقت الذي ارتكبت فيه جماعة الحوثي أخطاء سياسية وأمنية كبيرة في حق الشعب والدولة اليمينية، فإن عودتها لحضنها اليمني لتساهم في البناء والاستقرار وتعزيز السلم امراً مرحباً به من جميع الأطراف اليمينة والعربية. *استاذ ورئيس قسم العلوم السياسية – جامعة الملك سعود