×
محافظة حائل

حائل .. "الحربي" ينتظر القصاص وذووه يناشدون العفو

صورة الخبر

من النكات التي لا يزال المصريون يرددونها حتى الآن، أن الدولة كانت قد أنشأت، في ستينات القرن الماضي، مطارا عسكريا في طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي، ثم أخفت بطبيعة الحال، مكانه عن عامة الناس، وربما عن خاصتهم أيضا! وقد كان إخفاء مكانه، عن آحاد المواطنين، أمرا طبيعيا، ومنطقيا، لأن المطار مطار عسكري، ولا يخص بالتالي، إلا العسكريين وحدهم، الذين لا يجوز لغيرهم أن يعرفوا موقعه على خريطة المكان! ولم يكن في هذا أي نكتة بالطبع، وإنما كانت النكتة يوم أن تسربت أخبار عن موقع المطار بالضبط، إلى الذين يقطعون الطريق بين العاصمة والإسكندرية، ذهابا وإيابا، وخصوصا سائقي سيارات الميكروباص التي تنقل المسافرين بالنفر بين المدينتين. بعدها، صار كل سائق ميكروباص ينادي على ركاب سيارته، كلما اقترب من موقع المطار على الطريق، عما إذا كان أحد منهم يريد أن يهبط عند محطة «المطار السري»! وكانت المفارقة، أن موقع المطار، الذي هو سري، لم يعد كذلك، ثم لم تتوقف النكتة عند هذا الحد، وإنما صار اسمه متداولا على كل لسان، على الطريق، على أنه «مطار سري» مع أنه، والحال هكذا، لم يصبح سرا بأي معنى! شيء من هذا، تفهمه، ويطوف لا بد في بالك، كلما وقعت عيناك على أنباء منشورة، عن الاتفاق الذي يدور إزاءه كلام طويل، بين الولايات المتحدة، من جانب، وإيران من جانب آخر، حول ملفها النووي! فقبل أيام، كان الكونغرس الأميركي يطلب أن يكون له الحق في مراجعة أي اتفاق حول هذا الملف، لأن واشنطن طرف أصيل فيه، ثم كان الرئيس الأميركي في المقابل، وهذا هو وجه الدهشة، يرفض أن يمنح الكونغرس في بلاده هذا الحق، بل ويهدد باستخدام حق الفيتو من ناحيته، على أي مشروع قانون قد يمرره أعضاء في الكونغرس في اتجاه منحهم حق مراجعة الاتفاق عندما يتم! ولم يكن مفهوما، حتى الآن، لماذا يريد أوباما أن يمرر اتفاقا نوويا مع طهران، بعيدا عن أعين أعضاء الكونغرس، ومن وراء ظهورهم، وكان السؤال، ولا يزال، على النحو الآتي: ماذا بالضبط في الاتفاق يراد إخفاؤه؟!.. ولماذا، وهذا هو الأهم، يريد الرئيس أن يخفيه عن أنظار أعضاء برلمان بلده، مع أن بلده طرف رئيسي فيه؟! وحين تصل رغبة الإدارة الأميركية في إخفاء تفاصيل الاتفاق، إلى حد تحذيرها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو يخطب الأسبوع الماضي، في الكونغرس، من أن يكشف أيا من بنود الاتفاق، فمعنى هذا أن في الاتفاق بنودا يعرفها نتنياهو، وأن الإدارة الحاكمة في البيت الأبيض، تعرف أنه يعرف، وأنها تخشى من أن يتهور هو، ويعلن تلك البنود على العالم، وعلى منطقتنا بشكل خاص، وعلى منطقة الخليج العربي، بشكل أخص! ثم إن ما يريب في الحكاية كلها، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، سافر إلى الولايات المتحدة، ووقف متحدثا أمام الكونغرس، من وراء ظهر أوباما شخصيا، ودون دعوة رسمية منه، فالدعوة كما يعلم الجميع وصلت إليه من الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس، بما يعني أن الجمهوريين لا يريدون اتفاقا أميركيا مع إيران، وأنهم يصممون على الوقوف في وجه إدارة الرئيس أوباما، وأن وقوفهم بلغ حدا من القوة جعلهم يوجهون دعوة لرئيس وزراء إسرائيل، على غير رغبة من الرئيس ذاته! وهو ما يجعلك تشك في إمكانية الطرفين، الأميركي والإيراني، في الوصول إلى اتفاق، خلال الفترة المتبقية من حكم أوباما! فالمتصور أن يظل الجمهوريون يعطلون طريق الوصول إلى اتفاق، طوال هذين العامين، أملا في أن يظل الملف يتدحرج حتى يصل إليهم، حين يفوزون بالحكم، في انتخابات الرئاسة التي ستجري في نوفمبر (تشرين الثاني) بعد القادم!.. هذا طبعا مع افتراض أن مرشحهم هم، هو الذي سيفوز، وهي المسألة غير المقطوع بها إلى الآن! فالموضوع «على بعضه» شيء غير مفهوم بالمرة، لأنه حتى الديمقراطيون أنفسهم، لا يمكن أن يصل الخلاف بينهم وبين تل أبيب، إلى حد تمرير اتفاق مع إيران، دون رغبة إسرائيل ودون رضاها!.. فخلاف الحزب الديمقراطي الأميركي، مع حكومة إسرائيل، يمكن أن ينشأ حول التفاصيل وحدها، وليس حول أصل الموضوع، ولا بد أن اتفاقا كالذي تريد واشنطن أن توقعه مع طهران، إنما هو من الأصول، لا الفروع ولا التفاصيل، بين العاصمة الأميركية وتل أبيب. إن المفاوضات حول الاتفاق، تنتقل من عاصمة إلى عاصمة، دون أن يعلن كلاهما عن شيء مما يتحلقان حوله، فوق طاولات التفاوض في مسقط مرة، وفي فيينا، مرة، ثم في جنيف مرات! ومن غير المفهوم كليا، كذلك، أن تدور المفاوضات، في مرحلة من مراحلها، بين الدول الخمس الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن، مضافا إليها ألمانيا، وبين إيران، بغير أن تكون دول الخليج الست، طرفا على الجانب الآخر، من أي طاولة! وقد كان وجود دول الخليج، كلها، أو حتى دولة واحدة منها، تختارها هي، في قلب عملية التفاوض، منذ بدايتها، أو في مرحلتيها الحالية، والمقبلة، كفيلا بأن يبدد هذا الغموض المحير الذي يحيط بالملف دون مبرر معقول. ولا بد أن واقعة المطار تقول بأنه لا شيء يمكن أن يبقى سرا، مهما كانت درجة سريته، ومع ذلك تصمم أطراف الاتفاق النووي الإيراني، على أنه سري، أو أنه سوف يظل سريا!