لا أدري لماذا كلف النظام السوداني نفسه «مشقة» إجراء انتخابات لا يصدقها أحد، ونتيجتها معروفة سلفا. فلو كان النظام مدد بمرسوم للرئيس عمر البشير خمس سنوات أخرى تضاف إلى الخمسة وعشرين عاما وبضعة أشهر التي قضاها في الحكم حتى الآن، لكان وفر على الشعب السوداني مشاهدة مسرحية سمجة ومكررة، ولكان أيضا وفر على الخزينة العامة مئات الملايين من الجنيهات، وإن كان هذا آخر همه. أما لماذا لا يصدق الناس هذه الانتخابات، فالأسباب كثيرة لكن على رأسها أنهم خبروا الحركة الإسلامية وألاعيبها، وحبها للسلطة والتسلط، وعزمها على التشبث بالحكم الذي تسلقته أصلا بانقلاب عسكري خادع. فهؤلاء الجماعة كما أثبتوا لا يؤمنون بالديمقراطية، ولا بالتداول السلمي على الحكم عبر الاحتكام الصحيح والشفاف إلى إرادة الشعب. فقد أقاموا حكمهم على القمع والترويع، ولم يتوانوا حتى عن تقسيم البلد من أجل الانفراد بالحكم على ما تبقى من أرض السودان. إعادة ترشيح البشير للرئاسة من الأسباب التي تجعل الناس لا يصدقون الحركة الإسلامية وواجهتها حزب المؤتمر الوطني، ولا يرون طائلا أو جدوى من الانتخابات. فالدستور الذي وضعه النظام للبلاد، والنظام الأساسي للمؤتمر الوطني الحاكم حددا ولاية الرئيس بفترتين، لا يمدد له بعدهما. والبشير ذاته صرح مرارا وتكرارا، ووعد في عدة مناسبات بأنه لن يترشح لولاية أخرى. لكن لا الدستور احترم، ولا النظام الأساسي عمل به، ولا الوعود التزم بها، وهذا هو ديدن جماعة الإسلام السياسي، يحبون السلطة والمال والجاه حبا جما، ولا يتورعون عن كتم أنفاس الناس من أجل الاستئثار بما يعتبرونه منافع وليس مسؤولية تخاف من حملها الجبال. دهاقنة النظام حاولوا تبرير إعادة ترشيح البشير بكلام أكثره مضحك وبعضه مبك. الدكتور نافع علي نافع القيادي بالحزب الحاكم قال إن المؤتمر الوطني بعد رصد وتقييم نسبة ما تم تنفيذه من البرنامج الانتخابي الماضي للرئيس البشير، وجد أن الذي تم تنفيذه أكثر مما وعد به الرئيس!! مثل هذا الكلام هو الذي جعل الناس منذ سنوات يتبنون شعار «نضحك مما نسمع»، لأن الواقع كان مخالفا دائما لكل شعارات النظام وتلفيقاته. البشير ذاته انضم لركب هذه التصريحات عندما قال إنه كان يريد التنحي واعتزال السياسة لكنه قرر الترشح «بإلحاح شعبي»، ووعد بأنه لو أعيد انتخابه سيترك السلطة في عام 2020. ناسيا أنه كان وعد بأن يتنحى بعد نهاية فترته الراهنة. المفارقة أن البشير في أحد تصريحاته الانتخابية قبل أيام قال للناس «نحن لا نغش ولا نكذب، والمشروع الحضاري (أي برنامج النظام) يقود إلى الجنة»!! النائب السابق لرئيس الجمهورية و«أمير» الحركة الإسلامية السودانية، علي عثمان محمد طه، دافع عن إعادة ترشيح البشير في تصريحات أخرى قائلا إن ظروف السودان الراهنة سياسيا وأمنيا تستوجب مواصلة البشير لدوره. ونفى أن يكون الحزب الحاكم يريد أن يجعل البشير رئيسا للأبد، وكأن 25 سنة في كرسي السلطة المغتصب ليست مثل الحكم المؤبد على الناس المغلوبين على أمرهم. بعض محسوبي النظام كانوا أكثر جسارة وصراحة فأراحوا واستراحوا عندما قالوا إنهم باقون في السلطة بانتخابات أو من دونها. بعد كل ذلك يحاول النظام عبثا إثارة اهتمام الناس بالانتخابات أو إقناعهم بجدواها، من خلال تصريحات مسؤولي حزب المؤتمر الوطني الحاكم أو جولات الرئيس البشير على الأقاليم، لكن يبدو أن الحكومة في واد والناس في واد آخر. فمن يتابع مواقع السودانيين على الإنترنت، سيرى حجم التعليقات اللاذعة التي تسخر من الانتخابات ومن تصريحات المسؤولين بشأنها. حتى في صحف الخرطوم تتضاءل أخبار الانتخابات وسط زحمة الأخبار الأخرى التي تنقل بعضا من معاناة الناس والضائقة المعيشية وقصص الفساد، وأقول بعضا لأن هذه الصحف، حتى المحسوبة على النظام تعاني من التضييق والرقابة الأمنية المشددة والملاحقات والمصادرات المتكررة. الحقيقة أن غالبية السودانيين مهمومون ومشغولون بمشاكلهم الحياتية والأزمة الاقتصادية والمعيشية التي وصلت حدا جعل معدلات الفقر تبلغ 46 في المائة حسب التقديرات الرسمية، و60 في المائة حسب تقديرات خبراء آخرين. الناس يعرفون في كل الأحوال أنه لولا وجود ملايين السودانيين المغتربين الذين يعولون أسرهم، لطحن الفقر البلد والغالبية العظمى من سكانه، باستثناء قلة قليلة جدا من الميسورين الذين أضيف إليهم المنتفعون من الحكم، والمستفيدون من الفساد الذي استشرى ليزكم الأنوف وتعم أخباره البلاد بطولها وعرضها. لهذا السبب هناك احتقان شديد تحت السطح، وهناك لا مبالاة إزاء انتخابات نتيجتها معروفة. «الشجرة» هي الشعار الانتخابي لحملة «المواطن» عمر البشير كما يصفه هذه الأيام موقع الحزب الحاكم، وكثير من الناس لا يهمهم النسبة التي سيعلن بها «فوز» الرئيس، بل يهمهم أن يعرفوا متى سينزل الرجل وجماعته من الشجرة.