عام 1918 قال فلاديمير لينين التالي: «واحد من بين كل عشرة من أولئك المدانين بالتطفُّل يجب أن يُعدم بالرصاص فورا حيث هو.. لا بد أن نركز على طاقة الرعب.. اقتلوا ورحِّلوا.. أطلقوا العنان للإرهاب الجماعي ضد الفلاحين الأغنياء والرهبان والحراس والحرس الأبيض». صنع صورة لينين ذي القلب الطيب والنفس الرحيمة، مجموعة من الناس والعوامل.. شارك فيها مفوضو الدعاية في الحزب الشيوعي السوفياتي، كما ساهم فيها بسذاجة، وأحيانا ببراءة، الليبراليون الغربيون الذين رأوا فيه صورة الاشتراكي العادل. غير أن الأرشيف السوفياتي الذي فُتح أمام الجميع بعد انهيار الاتحاد، أظهر صورة مختلفة تماما. كان الرجل الخطيب المفوَّه والحاد الذكاء والشديد الثقافة، شديد التوحش أيضا. فلا شك أنه أحد الذين لعبوا الأدوار التاريخية المفصلية في القرن العشرين، ولولا ذلك الذكاء المقرون بذلك التوحش، لما نجحت الثورة البولشيفية عام 1917. لم يكن مظهر فلاديمير إيليتش أوليانوف مثيرا للإعجاب؛ بل كان ممتلئ الجسم، قصير القامة، أصيب بالصلع المبكر. غير أنه كان ذا شخصية طاغية أيضا، فإذا ضحك، ضحك الجميع من حوله، وإذا غضب، اكفهرَّت الوجوه والمعالم. الرجل الذي سيقود ثورة العمال والفلاحين كان قد نشأ في عائلة من النبلاء. ولم يتورع مرة عن مقاضاة الفلاحين الذين ألحقوا الأضرار بمزارعه. كان يعتبر هؤلاء من الأغبياء، ويكرر دائما تعبير «الأغبياء الروس»، غير آبه بأن دخله الأساسي يأتي من أراضيه وأملاكه. غير أن إعدام شقيقه الأكبر ألكسندر عام 1887 بتهمة التآمر على القيصر، كان نقطة التحول في حياة لينين. وبعد فترة من النضال والمنفى في الداخل، انتقل إلى المنفى في أوروبا، حيث عاش لفترات متفاوتة بين لندن وكراكوف وزيوريخ. في عام 1902 كتب «ماذا يجب أن نعمل؟» الذي يشرح فيه سياسة القمع والعنف والاستبداد. بدأ بتسخيف خصومه أولا: «قذارات»، «زنادقة»، «قمامة»، «عاهرات»، «روس أغبياء»، «مشوَّهون»، و«شغالات». لم يوفر مؤيديه الليبراليين من الغضب، فسماهم «الأغبياء المفيدين»، وسخر من رفاقه المتسامحين فسماهم «شاربي الشاي». وخلت حياته الشخصية من العطف أو الاهتمام بالفنون والأدب، مهملا زوجته ناديا كروبسكايا، ومتعرفا إلى عشق امرأة ثرية متحررة تدعى إينشا أرمون. إلا أن السياسة كانت كل شيء في حياته. وفي بدايات الثورة لم يتورع عن استغلال السطو على المصارف واللجوء إلى أعمال العنف من أجل تمويل أعمال مجموعته الصغيرة. ما إن وصل إلى الحكم، حتى أعلن أن «الثورة لا معنى لها من دون فرقة إعدام بالرصاص». وتكشف الوثائق أن 280 ألفا إلى 300 ألف قُتلوا بأوامر مباشرة منه. وكان يردد: «يجب أن نقمع جميع أنواع المقاومة بقسوة لا ينسونها إلى عقود كثيرة آتية». وعندما مات الملايين من الفلاحين من المجاعة بسبب سياساته، قال بكل بساطة: «دعوا الفلاحين يجوعون». من نماذج أوامره التالي: «أيها الرفاق، علِّقوا المشانق، وتأكدوا من أن الجميع يحضرون عملية الإعدام. انشروا أسماء الخَوَنة. صادروا حصادهم. افعلوا كل ذلك بحيث ترتعد النفوس على بعد مئات الكيلومترات». إلى اللقاء..