عاطف دغلس-جنين كان لبؤس الحياة التي يعيشها وحضور المشاهد المؤلمة اليومية في المخيم أثر كبير في صقل شخصيته وفنه التشكيلي، وهذا ما جعله يعكس بريشته إبداعا فنيا تجسد في لوحاته التي اعتلت الجدران وأضفت عليها جمالا مختلفا. وهناك بين أزقة مخيم جنين بشمال الضفة الغربية وحاراته الضيقة، أصبحت أعمال الفنان الفلسطيني محمد شلبي معلما يهتدي به الزائرون للمخيم بل القاطنون فيه، حيث صارت أسماء لوحاته مثل "كي لا ننسى" و"حق العودة" عناوين لتلك الأحياء والحارات. وبشيء من الأمل يجمع شلبي (47 عاما) أركان عمله ليجسد أفكاره عبر لوحات عادة ما تحمل حكايات تتقارب لسرد المعنى. جدارية للفنان محمد شلبي تمثل بعض القرى الفلسطينية التي هجّرها الاحتلال الإسرائيلي عام 1948(الجزيرة) وحول بدايته يقول شلبي للجزيرة نت إنه استفاق في صغره على واقع المخيم المرير وتلك القصص المأساوية التي سمعها عن والده إبان تهجيرهم من قريته زرعين داخل فلسطين المحتلة عام 1948، "ثم خرجت لأرى بأم عيني أكثر المشاهد ألما وهو توزيع وكالة الغوث للمؤن الغذائية". وكان لذلك المشهد أثره الكبير في تحول الفنان وانطلاقه نحو تجسيد ما كان يراه عبر لوحاته، وإن كان في بادئ الأمر "طلاسم" لا يفهمها سواه كما يقول. تطوير الذات ويضيف الفنان شلبي أن اعتقاله من طرف الاحتلال الإسرائيلي نحو ست سنوات كشف موهبته بشكل أكبر، فقد استطاع بجهد ذاتي أن يرسم لنفسه الطريق من بدايته، فعمل داخل المعتقل على قراءة الفن التشكيلي وتفحص زواياه ومقوماته، واطلع على أعمال فنانين كبار مثل دافنشي وبيكاسو وغيرهم. ثم عزّز معرفته عقب التحرر بارتياده المكتبات وقراءته لمقررات تُدرّس بالجامعات، ليُسقط لاحقا إبداعه على الأرض بلوحات وجداريات داخل المخيم وخارجه حظيت بقبول جماهيري واسع. جدارية داخل أحد المنازل بمخيم جنين(الجزيرة) وشكلت مشاركته الأولى في معرض "رباعيات الخزان" بمخيم جنين عام 1996 دفعة قوية له، إذ استطاع مع نخبة من الفنانين تجسيد معرضهم بلوحات تسرد حكاية أربعة لاجئين ساءت أحوالهم في الغربة، فهربوا من رب العمل الذي كان يطاردهم واختبؤوا بالخزان، فماتوا خنقا. ثم تتالت أعمال شلبي الفردية والجماعية بإقامته العديد من المعارض للوحاته محليا ودوليا، وتميز بإشراك فنانين أطفال في بعض رسوماته، وأضفى بأسلوبه الخاص في الأفكار وانتقاء الألوان جمالا أكبر على أعماله. مقاومة وكما مزج بين الألوان المائية والزيتية وأنواع الفن التشكيلي كالواقعي والتجريدي، جمع شلبي بين الحب والعداء والخير والشر في موضوعات عديدة تناولها كاللجوء والتشرد وتبعاته والحلم بالعودة "الحق المقدس" في نظره، وقال إن المخيم "محطة" للوصول إلى الوطن. ويكمن السر وراء اختياره للجدران حسب قوله في قدرته على "الإبداع والعملقة" أكثر من اللوحات العادية، كما أن الجدران تسقط الفوارق المجتمعية فهي متاحة للكل "وأرى نفسي بها أكثر". بعض لوحات الفنان محمد شلبي (الجزيرة) ويدعو شلبي عبر فنه إلى "انتفاضة الفن التشكيلي"، ويطالب الجهات المسؤولة من وزارة الثقافة وغيرها بالوقوف بجانب هؤلاء الفنانين ودعم نشاطهم وتنمية المواهب المبدعة. واستطاع شلبي فعلا أن يوصل رسالته بالربط بين الماضي والحاضر وخاصة بموضوع العودة، حسبما يقول عدنان نغنغيه، المسؤول في مسرح الحرية بمخيم جنين. ويضيف نغنغيه للجزيرة نت أن الفنان شلبي أبدع في مجاله الفني مثل الآخرين الذين أبدعوا في المقاومة وغيرها، فاستطاع توثيق اللحظة وعمل انتفاضة ثقافية وأوصل رسالة المخيم وإن لم تكن النتيجة فورية، حسب قوله. وتابع نغنغيه قائلا إن الفن بأنواعه لا يقل أهمية عن غيره من أشكال المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، وإن دور الفنان شلبي كان أكبر مما يتوقع فهو جسد الصمود بكل معانيه وصوره. وأضحت أعمال شلبي علامة مميزة وأوكلت إليه مؤسسات كثيرة عمل جداريات تحكي ألم الناس وأملهم وأخرى ذات مواضيع تربوية وتعليمية، لكن ما يغيظه هو عبث بعض الناس بالجداريات.