من حيث المبدأ، وحتى إشعار آخر، فإن إيران والولايات المتحدة هما الآن الألد عداء بين الدول. واحدة هي «الشيطان الأكبر»، ولذا لا بد أن تكون الثانية، حكما، هي «الملاك الأكبر»، أو «الصالح الأكبر». ماذا يحدث اليوم؟ يحدث أن مفوضي العدوين يلتقيان بصورة شبه يومية على أرض ثالثة، أو محايدة. أول وأكبر قوة نووية في العالم، وأخرى تطلب الانضمام إلى نادي الدمار النهائي، كلتاهما بحثت عن مكان قوته الكبرى والوحيدة في رفض جميع أنواع صراع القوى في العالم. لا حربا إقليمية دخلت، ولا حربا عالمية أعلنت. مزقت الحروب الكبرى جميع الدول المجاورة لها. وهدمتها المجاعات. وتحولت عملاتها إلى ورق سعر طباعته أعلى من سعر صرفه. وظل الفرنك السويسري ملجأ مثل الذهب. يعيش السويسريون مستويات من الحياة تفوق مستوى الأميركي والإيراني بنسب متفاوتة، بعضها يظل دون أحلام الدول المتغطرسة على شعوب العالم. هل يمكن أن يكون العالم كله مثل سويسرا؟ لا. لكن في إمكان أكثر العالم أن يحاول. دول كثيرة نجحت. كوستاريكا نموذجا. سنغافورة. تشيلي. النمسا. هناك دول كثيرة تعلمت دروسها من نفسها، كما تعلمت سويسرا من حروبها الأهلية واختارت البعد عن الأحقاد والثارات، وبدل أن تردد الأفواه الفارغة شعارات فارغة، امتلأت عيون الشعوب بالأمل والحياة. يجلس جون كيري ومحمد جواد ظريف على شرفة الفندق في مونترو ويتأملان بحيرة هادئة مثل بلدها. وجبالا ترعى فيها الأبقار، المتمتعة بعناية لا يعرفها أهل العالم الثالث. ويشاهدان دولة مطمئنة إلى سلامتها أكثر من أي دولة في العالم. وقوتها الكبرى أنها آمنة الجوار وجدار الجوار. لا تريد أن تفرض سياستها، أو رؤيتها، أو نهجها على أحد. تريد أن تحمي شعبها واللاجئين الذين يلوذون بها. وجميعهم من عالم ثالث نكبته السياسات وقهره الظلم والذل والجهل. لا أحد يعرف من هو الرئيس السويسري ولا رئيس البرلمان ولا جنرالات الأحزاب. شعب جميعه في المسؤولية، جميعه رافض أصوات الحقد والتخلف. وإذ يتطلع «المتشددون» في إيران إلى نزهات كيري وظريف على البحيرة، يحذرون في صوت عال: احذر صداقة الشيطان الأكبر.