يطل عليكم مقالي بعد يوم النحر يوم الحج الأكبر وهو من أعظم أيام الله، ينحر فيه المسلمون أضاحيهم. تلك الشعيرة التي مع عودتها كل عام يضج نشطاء مستقلون وجمعيات حقوق الحيوان بالمناداة بمنع الذبح أو ما يسمونه بالمجازر التي ترتكب في حق الحيوانات ويعتبرونه نوعا من أنواع التعذيب والتعامل الوحشي ويستخدمونه في الحرب ضد الإسلام، خصوصا في دول أوروبا التي يسعى بعضها لسن قانون يمنع الذبح الحلال للحيوانات! مما حدا بالمؤتَمِرين من الدول الإسلامية في "المؤتمر العالمي الأول للرقابة على الغذاء الحلال" مطلع العام الفائت المطالبة بالضغط اقتصاديا وسياسيا على أوروبا للتصدي لهذا القانون. وفي أستراليا بالذات طالبوا بمنع تصدير الحيوانات لدول الخليج، وفي هذه السنة منعت تصدير الماشية لمصر نظرا للمعاملة الوحشية التي تلقتها مواشيهم هناك خلال عيد الأضحى ــــ على حد زعمهم! فهل يتنافى الذبح مع رحمة الدين الإسلامي وعدله ورفقه بالإنسان والحيوان والنبات؟ هذه المسألة حيرت ابن الجوزي وتساءل في كتابه "صيد الخاطر" عن بعض مظاهر الحياة التي تتعارض في ظاهرها مع الرحمة، وذكر منها شعور الحيوان بالألم عند الذبح! ورغم حيرته إلا أنه اختار التسليم لله، وقال: إن هذا محير للعقل لكن التسليم لله هو الصواب في هذه الأمور لا تحكيم العقل. ويأتي العلم الحديث لينفي وجود ألم عند الذبح فانقطاع الدم عن الأنسجة ولمدة ثلاث ثوان تتعطل خلالها مراكز الإحساس بالألم في المخ ويغمى على الحيوان فلا يشعر بالألم، وهذا ما توصلت إليه الدراسة التي قام بها عالم مصري "الدكتور حازم"، وآخر ألماني "سكالتز" من كلية هانوفر الألمانية بعد أن غرسوا شرائح كهربائية في جماجم الحيوانات، ومن ثم رصدوا الإشارات الصادرة عنها بواسطة جهازين يوضحان حالة الدماغ والقلب أثناء الذبح والصعق، وكانت المفاجأة أن الحيوان المذبوح فقد الإحساس خلال ثلاث ثوان مع بقاء القلب ينبض ويدفع الدم للخارج، أما المصعوق فقد سجلت الآلة حالة ألم شديد بعد الصعق وتوقف القلب سريعا، ما يعني احتباس الدم وفساده. إن الدين الإسلامي دين رحمة يوازن بين منفعة الإنسان والرأفة بالحيوانات فلا يسمح بإيذائها أو تعذيبها أو تكليفها بما يشق عليها، ولكنه لا يمنع قتلها بالكلية وإنما بشروط وللحاجة. عن ابن عمر ــــ رضي الله عنهما ــــ عن النّبيّ ــــ صلّى الله عليه وسلّم ـــــ قال: "ما من إنسان يقتل عصفورًا فما فوقها بغير حقِّها، إلا سأله الله عنها يوم القيامة. قيل: يا رسول الله! وما حقُّها؟ قال: حُّقها أن يذبحها فيأكلها، ولا يقطع رأسها فيرمي به". وتتمثل الرأفة في التسمية والتكبير على الحيوان قبل ذبحه، حيث تجعله يهدأ ويستسلم، خصوصا إذا طبقت قواعد الذبح بأن يكون بمعزل عن بقية القطيع وألا يرى السكين، كما أن التسمية والتكبير يزيدان من فقدان الحيوان للدم، وهذا ما أثبته 30 باحثا من أساتذة الجامعات السورية في بحث استمر ثلاث سنوات، حيث توصلوا إلى أن اللحم الذي لم يذكر اسم الله عليه أصبح مستعمرة للجراثيم والميكروبات والدماء محتقنة فيه، أما المذكور عليه اسم الله فلا. يقول العالم جون هرنوفر أستاذ علم البكتيريا في مستشفى جيتس في كوبنهاجن إن احتباس الدم في أنسجة الحيوانات يجعل منها مستعمرات لنمو البكتيريا، وعند تناول الإنسان هذه اللحوم تنتقل له العدوى. وأضاف أن الحيوانات التي تتعرض للخنق أو الصعق تموت موتا بطيئا مما يفقد جدار الأمعاء "مرتع الجراثيم في الحيوان" مقاومته، فيسمح بانتقال الجراثيم إلى الدم ومن ثم الأنسجة، لذا حتى القوانين الأوروبية حرمت أكل الميتة والمنخنقة! ويبقى سؤال: إذا لم يكن الحيوان يشعر بالألم فلماذا يرجف ويتلوى بعد ذبحه؟ وهنا تكمن العظمة، حيث إن الذبح بالطريقة الإسلامية يبقي على الرأس متصلا "عدم قطع العنق"، وبذلك يبقى حبله الشوكي متصلا ويستمر المخ في بث إشاراته بحاجته للدماء فيهُب الجسم كله لنجدته وتتسارع دقات القلب وكأن الذبيحة تُعصر فتتصفى الدماء ونحصل على لحم نقي .. فسبحان الخالق فيما أبدع وصور.