استضافت مصر العديد بل المئات من الفعاليات التي تشمل الندوات والمنتديات والمؤتمرات الاقتصادية والسياسية والفنية وفي كافة المجالات تقريبا دون أي استثناء، ولكن لن تكون الكلمات بها أي قدر من المبالغة إذا ما قلنا إن المؤتمر الاقتصادي الذي تنوي مصر إقامته في مدينة شرم الشيخ في شبه جزيرة سيناء والذي سيتناول الشأن الاقتصادي بشكل أساسي ومركّز قد يكون هو المؤتمر الأكثر أهمية في تاريخها، حيث تبني وتعقد عليه الكثير من الآمال والعديد من التوقعات. الحكومة المصرية تروج وتعد للمؤتمر على أساس أنه «النقلة النوعية» التي ستمكن الاقتصاد من الحصول على الثقة وبالتالي الدعم الدولي المطلوب لبث الروح في الجسد الاقتصادي المتعب الذي من شأنه أن يحفز المستثمرين على الدخول في مشاريع جديدة وجريئة وبالتالي تحسن عجلة الإنتاج وإتاحة المئات من فرص التوظيف التي تعتبر السوق المصرية المنهكة بالبطالة في أمس الحاجة الشديدة لها. ولكن يدرك المصريون تماما أن التحدي هو أكبر من مؤتمر يتم الإعداد له جيدا عبر رعاية عليا وحضور مميز ومواضيع مشوقة، فالمسألة تتعلق في المقام الأول بالاستعداد الذهني لتغيير أسلوب وطريقة التعامل مع المستثمر الأجنبي وحمايته عبر قوانين «سيادية» واضحة وصريحة لا تخضع لمزاجيات التفسير ولا الأجواء السياسية ولا تستجيب لنداءات «حماية البلاد من الغزو الاستثماري» و«الحفاظ على الاقتصاد الوطني»، وهي شعارات مسيسة عاقت تطوير البيئة الاستثمارية وشكلت مناخا إعلاميا أثر في الرأي العام ضد المستثمر الأجنبي، وهي تركة كئيبة من حقبة الاشتراكية الناصرية في فترة الستينات الميلادية والتي كان الترويج فيها على أشده ضد الرأسمالية بشتى أنواعها وتمجيد المال العام والقطاع العام والاقتصاد الحكومي بشكل رئيسي، وفيه الكثير من المبالغات والمغالطات بل حتى الأكاذيب. هذا الإرث الكئيب هو الذي كان سببا مهما رئيسيا في تراكم المشاكل المتعلقة بالمستثمر الأجنبي عموما والعربي الخليجي تحديدا دون حلول قطعية.. مشاكل تركت تتفاقم وتنمو حتى بات حلها يحتاج لما يشبه المعجزة، والحقيقة أن الوضع والعلاقة السياسية بين مصر والسعودية والإمارات باتت من الأهمية والاستراتيجية بحيث لا يمكن أن تعامل بشكل عادي، بل إن الأمر يتطلب إجراء اتفاق خاص بين هذه الدول أشبه باتفاق الكويز الذي كان قائما بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة التي قدمت من خلاله العديد من المزايا والإعفاءات والمحفزات والمغريات التي جعلت المناخ القائم بين الدول الثلاث ذات عوائد لافتة ومهمة للشركات المنطلقة من البلاد المعنية، ونفس الشيء يجب أن يكون عليه الحال فيما يخص العون والتبرع الحاصل من السعودية والإمارات لمصر، فهو يجب أن يكون مشروطا بأن تكون الشركات المنفذة للمشاريع شركات سعودية بعمالة مصرية وبضائع من مصادر سعودية ومصرية تماما كالشروط التي تضعها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان على مشاريعها التنموية في مصر، حيث تكون الفائدة للشركات الوطنية من الدول المانحة حيث تعم الفائدة وتكبر ولا تكون محصورة بين الحكومات فقط، بل تنعكس على القطاع الخاص بمختلف هيئاته وطبقاته لتكون العلاقة حقا مهمة للشعوب كما هي للحكومات. المؤتمر الاقتصادي الذي ينتظره المصريون لو لم يتحقق وينجز حلولا للمشاكل القائمة ورؤية تشريعية للمستقبل سيكون «فرصة» لم يحسن استغلالها، وبالتالي من المهم أن يكون هناك ما هو أكثر من مجرد مؤتمر فقط وإلا لن تكون النقلة المأمولة كما يجب.