يعتبر الأتراك انتصار القوات العثمانية على جيوش التحالف في معركة جناق قلعة عيدا وطنيا يحيونه بالعروض العسكرية واستعراضات الجند في أنحاء البلاد، لكن إحياء الذكرى المئوية للانتصار هذا العام اتخذ طابعا ثقافيا وقف فيه الكتاب جنبا إلى جنب مع سيف الحرب. وتعود حكاية جناق قلعة المعروفة محليا باسم غاليبولي إلى عام 1915، حين تمكن الجيش العثماني في الحرب العالمية الأولى من دحر قوات التحالف التي ضمت جيوشا من بريطانيا وفرنسا وأستراليا ونيوزيلندا وصدتها عن عاصمة الدولة العثمانية إسطنبول. وتحتضن مدينة إسطنبول معرضاً دولياً للثقافة والفنون يحمل اسم جناق قلعة لتخليد ذكرى غاليبولي، ويضم زوايا رسومات وكاريكاتيرات ونقوش وأشعار وكتب من دور نشر محلية وعالمية تناولت حكاية هذه الحرب. واشتمل المعرض الذي افتتح يوم 27 فبراير/شباط الماضي ويستمر حتى يوم 8 مارس/آذار الجاري, على عروض أفلام كرتونية ومسابقات للرسم وأشعار تخلد ذكرى المعركة وتفاصيلها. تخليد الذكرى ويرى مؤلفون وفنانون أتراك شاركوا في معرض جناق قلعة الدولي للثقافة والفنون أن الفن الذي يخلد ذكريات البطولة والانتصار يمكن أن يساهم أيضا في صنع ثقافة السلام, إذا استند إلى منطق الحق والعدل الذي يفرضه السيف. ووفقا للكاتب والمؤلف التركي إسماعيل متلو فإن معركة جناق قلعة تعد من مصادر إلهام المؤلفين والكتاب الأتراك, بسبب أهميتها السياسية والتاريخية بالنظر إلى كونها المعركة التي حمت عاصمة العثمانيين من احتلال متعدد الجنسيات. وقال متلو في حديثه للجزيرة نت إن أهمية التأليف والكتابة حول هذه الأحداث تكمن في إمكانية توظيفها كحافز يشجع الأجيال على القراءة والتعلم والرجوع إلى الكتب التي تَراجع الإقبال عليها كثيرا في عهد تقنيات الجيل الرابع من وسائل الاتصال. وأوضح أن الإرث الثقافي للبطولات والانتصارات قد يستغل أحيانا من قبل بعض الكتاب والمؤلفين في الترويج والدعاية لإنتاجاتهم بهدف تحقيق الأرباح المادية والشهرة وغيرها من المنافع الخاصة، لكنه أثنى على دور الفعاليات الثقافية والمعارض في إعادة الاعتبار للكتاب. وأشار متلو إلى أن الثقافة والإبداع عادة ما يولدان من رحم البطولة والانتصارات التي يتبارى الكتاب والشعراء على توثيقها وتدوينها فتكون موروثا ثقافيا للأمة التي حققت الانتصار. الحرب والثقافة أما مديرة المعرض بينار أويسال فأكدت أن عدد الزوار زاد عن 170 ألفاً، متوقعة أن يرتفع عند اختتامه غدا الأحد إلى أكثر من 220 ألفا. وأوضحت أن نحو 350 دار نشر محلية وعالمية عرضت كتبا في المعرض وركزت على الإصدارات الخاصة بالأطفال وطلبة المدارس الذين أمّوا المعرض بكثافة. وردا على سؤال للجزيرة نت حول العلاقة بين الحرب والثقافة، أشارت أويسال إلى أن تعزيز مفاهيم البطولة وانتصارات الأجداد أمام النشء الصاعد يمكن أن يساهم في تنمية اهتمامهم بالموروث الثقافي لبلدانهم. وإلى جانب المعرض الثقافي، ستحيي تركيا الأسبوع القادم ذكرى المعركة بمراسم واحتفالات وصفت بأنها غير مسبوقة، وتشمل عروضا عسكرية ضخمة للقوات المسلحة بمختلف قطاعاتها في ولاية جناق قلعة شمال غرب البلاد. الحرب العثمانية وكما حضرت سيرة الحرب العثمانية في المعرض حضر الخط العثماني في الكتب التاريخية التي وثقت معركة جناق قلعة، وفي رسومات خطاطين وفنانين أفنوا أعمارهم بصحبة الخط العثماني الجميل. السبعيني يشار كايكون يجلس بوقار أمام لوحات من خشب البلوط خط عليها بحروف عربية آيات قرآنية وأحاديث شريفة وأشعارا عن ملاحم أسلافه في فتح إسطنبول وحمايتها في جناق قلعة. ورغم قدرته على رسم الحرف العربي بإبداع جمالي فائق، فإن كايكون لا يجيد من اللغة العربية إلا القليل، وقال للجزيرة نت إنه يحترف كتابة الخط العربي مذ كان في السابعة من عمره الذي نذره لحماية الخط العثماني من الاندثار. أما أردال سو فيعرض في زاوية الكتب التي يديرها روايات باللغة العربية عن ذكرى جناق قلعة، وكتبا أخرى تقدم سيرة التاريخ العثماني بلغة الضاد التي قال إن إقبال الأتراك عليها يتزايد بشكل مطرد كل عام. وقال سو إن الكتاب والسيف يمكن أن يتلازما ما داما في خدمة الحق، موضحا أن البطولات والانتصارات تمثل عامل إثراء على الدوام للنشاط الثقافي. هي ذكرى العثمانيين إذن، تعبق تركيا برائحة سيوفهم ودمائهم هذه الأيام في ذكرى جناق قلعة، أما تفاصيل الذكرى فلا تعرف الموت وهي المحفوظة في بطون آلاف الكتب والمؤلفات.