يجب أن نتساءل عما يسمى باليوم العالمي للمرأة! من أين أتى ولماذا؟ وكيف تسرب من بين أصابع التاريخ حتى أصبح تاريخا يؤصل للطبيعي؟ إنها لحظة تأمل ولحظة صدق مع الذات والتاريخ والفلسفة والجغرافيا أيضا! وللتأكيد على دور الدولة السوڤيتية في تحرير المرأة من أنهن مواطنات من الدرجة الثانية، فقد حدد العالم وللمرة الأولى يوم الثامن من شهر مارس من كل عام يوما للمرأة، وفيه يحتفل عالميا بالإنجازات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للنساء، وفي بعض الدول تحصل النساء على إجازة في هذا اليوم. الاحتفال بهذه المناسبة جاء على إثر عقد أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديموقراطي العالمي الذي عقد في باريس 1945، ومن المعروف أن اتحاد النساء الديموقراطي العالمي يتكون من المنظمات الرديفة للأحزاب الشيوعية، رغم أن بعض الباحثين يرجح أن اليوم العالمي للمرأة كان على إثر بعض الإضرابات النسائية التي حدثت في الولايات المتحدة. ففي 1856 خرج آلاف النساء للاحتجاج في شوارع مدينة نيويورك على الظروف اللاإنسانية التي كن يجبرن على العمل تحتها، ومع أن الأزمنة غير الأزمنة والأمكنة غير الأمكنة، وكانت المرأة العربية آنذاك غير نظيراتها في دول العالم، إذ كانت تحظى بمكانة وتقدير، خاصة في الجزيرة العربية، إلا أنه شملتها هذه المناسبة والاحتفال بها لما تحويه من نزعات ودعوات ومصطلحات، تسمح ببث الأفكار عبر مسام الجلد! فهل ذلك نوع من تزييف الوعي حسب النظرية حسبما ذكر ماركس؟ ومن بين ثنيات هذا التأمل نسبح في عوالم الإنسان بصفة عامة ثم المرأة بصفة خاصة، خاصة في ثقافتنا العربية وتاريخها الأنثربولوجي، وهذا ما يزيدنا حدة وإلحاحا في هذا التساؤل! لم تكن المرأة العربية تحتاج إلى مثل هذه الشعارات والدعوات آنذاك! ولم تكن تطالب أيضا بالحقوق، لأنها كانت أكثر وأثقل وزنا في الميزان المجتمعي العالمي، فهي من تسمى القبيلة باسمها، فيقال قبيلة بني عاتكة، وبني مرة إلخ، وكان الرجل حين "يعتزي"- من العزوة والاعتزاز بنفسه- يقول أنا أخو فلانة، وإذا امتدحه القوم قالوا: "ياخو فلانة"، أو "يا أبو فلانة"، كما كان المحاربون يصطحبون معهم النساء في المعارك، حتى يصبحوا أكثر قوة وبسالة لأنهم سيدافعون عن المرأة التي تمثل لهم المجد والشرف، ويشتد بسالة أمامها ليبدو لها أعظم شأنا ورفعة. ثم إننا وجدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: "خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء"، ولهذا الحديث الشريف ثقل كبير في الثقافة والأخلاق العربية والإسلامية، إذ إن عائشة، رضي الله عنها، تحمل نصف الدين وباقي البشرية تحمل النصف الآخر، وهو شرف رفيع للمرأة العربية ولمكانتها في ثقافتنا المجتمعية وفي العالم أيضا. فما الذي طرأ على التاريخ، وهل هذه الدعوات عن ظلم وإجحاف للمرأة، أم إنه ضرب من ضروب تزييف الوعي، من قِبل تسرب فكري بغرض الإيقاع بالبنية الاجتماعية؟ وكي تتضح الرؤية فلا بد أن نرى قوانين نظرية تزييف الوعي تلك، إذا ما أريد خلخلة الوعي وبالتالي الأمة أو الدولة. النظرية تقول: إنه يتم تزييف الوعي عبر محاور ثلاثة هي: 1- تحويل التاريخي إلى طبيعي. 2- تحويل القيمة إلى ثمن. 3- تحويل الإرادي إلى إلهي. وعلى ثلاث مدارس هي: الأم، الدين، الإعلام! فإذا ما تناولنا محور تحويل التاريخي إلى طبيعي فسنجد دعوات تتكرر حتى تصبح تاريخا، ثم تتحول بدورها إلى حق طبيعي، وعلى سبيل المثال لا الحصر مصطلح الحندر "تمييز النوع" بدأ بدعوة باستخدام التاريخ حتى أصبح طبيعيا، ثم موقفا عبر التاريخ. وكذلك غريزة الأمومة تحولت من تاريخي إلى طبيعي، فغير حقيقي أنها غريزة لأن الأمومة ناتجة عن إشباع غريزة الجنس، فتحولت الأمومة من أنها تاريخي إلى أمر طبيعي على أنها غريزة. أما تحويل القيمة إلى ثمن، فهو ما نراه من تسيد الثمن "المال" على القيمة، وكذلك تحويل القيمة إلى ثمن في التاريخ المعاصر واكتساب القيمة من الأشياء وهو ما يدخل في تسليع الإنسان والمرأة، خاصة على سبيل المثال: الإعلامي الموجه وأيضا قيمة الشرف التي تتحول إلى مال فيما يدفع من أجل إشباع الرغبة مثل شخصية الأخت في فيلم البداية والنهاية التي كانت تلعبها سناء جميل، ففي آخر الفيلم قتلت نفسها لأنها فقهت أنه لا قيمة لها! فقد باعت القيمة المتمثلة في الشرف، فأصبحت "الباريزة" التي تدفع لها هي ما تقيم أود العائلة!، وذلك غير دور المرأة في فيلم دعاء الكروان "فاتن حمامة"، إذ أخطأت فقُتلت، وعلى سبيل المقابلة دور المرأة الذي لعبته سمية الخشاب في فيلم "حين ميسرة" من امتهان لقيمة الشرف فأصبحت القيمة مادة حتى ألقت بابنها في الشارع، لأنه أصبح عبئا ماديا عليها! أما تحويل الإرادي إلى إلهي: مثل ما يحدث في بعض بلادنا العربية، حيث تعمل المرأة وتتعاطى راتبا شهريا، وعليه يرفض الأب تزويجها بتزييف وعيها بما يسمى القسمة والنصيب. حين قال سيد الخلق: "خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء" كان إعلاء لقيمة المرأة، ثم بدأت هذه القيمة تتقلص حتى درجة الغموض والدخول إلى عالم الوساطات "الحرملك والسلاملك"، وهو ما بدأ مع الدولة الأموية، إذ كان الرجال ينكلون بالنساء فبدأت النساء في التخفي، ثم أخذ يتطور إلى عالم الحرملك، فأصبح الوصول إلى الخطاب مع المرأة عبر الواسطة ومن أشهر عالم الواسطات هي الخاطبة على سبيل المثال، أو مثل الطفل الذي يمرر الطلبات بين الحرملك والسلاملك. إذن فكرة التمييز وامتهان حق المرأة هو أمر من أمور تزييف الوعي، كي يتحول التاريخي إلى طبيعي، ومن ثم يتجذر هذا المفهوم في الذات النسوية، وبالتالي يتدنى دورها وعطاؤها لإحساسها بالنقصان والقهر. هذا البعد النفسي الذي يتحول بدوره إلى اجتماعي ثم اقتصادي، فالمرأة العربية لا تزال حاضرة ومؤدية لدورها بقوة جامحة ودون خلخلة في الوجدان الجمعي، وعلى سبيل المثال ما رأيناه فيما قامت به المرأة المصرية إبان ثورة 30 يونيو، والذي وجب على التاريخ أن يسجله، فقد غيرت المرأة المصرية كل تلك المحاور التي ذكرناها وأبرزت للعالم إنسانا جديدا أصيلا يصعب اللعب في جيناته على الإطلاق، وذلك ينسحب على المرأة العربية عامة. إنها امرأة ضد الكسر!