ربما حاول أحد أن يفك أسرار نوتة أكدية مثل العراقي سلمان شكر أو نوتة موسيقى آشورية الكردي - الإيراني حسين علي زادة (الماجدي، 2013، 633) أو نوتات في كتاب صفي الدين الأرموي مثل اللبناني نداء أبي مراد لكنها لغة تقول عصر غيرها بلغتها الناقصة. وتدعي المعابد أنها تحتفظ بألحان تبدلت نصوصها بتبدل الآلهة والرسل إلا أن تلك الألحان منها ما يموت ومنها ما يبقى بصورة تتمثل عصراً عن آخر لكنها ليست هي على ما كانت في صورتها الأولى، وهو ما لاحظه أحد مؤرخي الفنون المصري ثروت عكاشة في أحد أجزاء موسوعته "الزمن ونسيج النغم: من نشيد أبوللو إلى تورانجاليلا" (1996) بين، والباحث العراقي علي الشوك في مؤلفه الظريف "أسرار الموسيقى" (2003) . للفنون والآداب أعمار مثل صانعيها. تبقى الآلات والنصوص شواهد حيث تموت الألحان مرتين بالنسيان أو تقيد بإيقاع موزون أو إشارة خطية. لكن حين نذهب إلى بحث ثقافة شعب، بالأخص موسيقاه، ما يمثل بحسب الأحافير اللغوية والآثارية جذوراً لشعب بائد يترك الخيال لنفسه فرصة خارج تلك الوسائلية والوسائطية. بقدر ما توهم حالة التخطيط الأفقي لحركة تطور الفنون والآداب إلا أنه لا يعدم من تكرار الولادة مثلما تتحتم الميتات. ال"هيكسوس" يمثلون ميتة عربية متصلة بميتة بابلية ومصرية. سيحاول هذا البحث أن يقرأ ميتة حضارية. وضعت بعيون يونانية ومصرية وعبرية. لعلها تنطق عن ذاتها، عبر تلك المقولات المهمة التي انطلق منها بوحي مما كتبه الباحث التونسي الملهِم حسن حسني عبد الوهاب في مقالته المجتزأ منها مقطعاً أول هذا البحث. فلقد أنتج الخطاب التاريخي في القرن العشرين مقولتين مهمتين في رؤيته الذهنية والتحليلية للتجربة الإنسانية، لقراءة الحضارة البشرية على هذه الأرض، في الأولى من فكره وإيديولوجيته وعلميته، وفي الثانية من بحثه وقراءته وتفكيره. وهما مقولتا: "العصور المظلمة" و"عصور في فوضى". تتصل هاتان المقولتان في قراءة تاريخ البشر على هذا الكوكب لا سواه. تنتمي مقولة " العصور المظلمة" للشاعر والناقد الإيطالي فرانسيسكو بترارك (1304 - 1374) وأما مقولة "عصور في فوضى" للمؤرخ الروسي إيمانويل فليكوفسكي (1895-1979) .. إن هاتين الكنايتين التاريخيتين قد تنتميان إلى أدبية المدونات التاريخية بقدر ما تعبران عن موقف يقرأ الذاكرة والنسيان في حياة الشعوب. فهما تأتيان على وجهين: إما تجهل الشعوب ذاكرتها / أرشيفها فينطفئ الضوء ويبقى للشمس الصورة والحرارة وإما تفقد الشعوب ذاكرتها / أرشيفها تذكر ما تشاء وتنسى ما تشاء، فتغيب الصورة ويبقى الضوء والحرارة. هي لعبة بين النسيان والذاكرة والخيال ثالوث الحضارة. ثالوث الأزمنة: الماضي والحاضر والمستقبل.