كان لا بد أن أتوقف أمام حوار أجرته صحيفة «أخبار اليوم» في القاهرة، مع عمر الجويري، وزير إعلام ليبيا. والحقيقة أنه لم يستوقفني الحوار في مُجمله، بقدر ما استوقفتني عبارة واحدة فيه، يقول من خلالها الوزير الجويري، إن جماعة الإخوان في بلده، قد أرادت وتريد تحويل ليبيا، إلى بيت مال! ولم يكن الوزير الليبي، في حاجة بعد إشارته القوية هذه، إلى أن يشرح، ولا إلى أن يوضح ما يقصده، إذ يكفيه أنه قد جسَّد المعنى في عبارة قصيرة، وموجعة، ومحملة بالمعاني! وربما سوف تكون الحكومة القائمة في ليبيا، برئاسة عبد الله الثني، في حاجة إلى وقت طويل، وإلى جهد كبير، لعلها تستطيع بهما إقناع الإدارة الأميركية الحالية، والحكومات التي تتبنى رأيها في أوروبا، بأن المشكلة ليست في دمج «الجماعة» سياسيا، على نحو ما يراد من الحكومة، هناك هذه الأيام، لأنه ما أسهل أن تدمجها الحكومة الليبية، غدًا، كما كانت قد اندمجت في آخر برلمان ليبي منتخب، ولكن المشكلة في أن التجربة مع الإخوان في مصر كانت كافية، ولا تزال، لإقناع المنحازين إلى الحل السياسي معهم، أنهم، كإخوان، ليسوا أهل سياسة، وأنهم لا يفهمون فيها، وأنهم يتعاملون مع السياسة بمنطق الغنيمة التي تكون لهم وحدهم، أو لا تكون كلها! والمعنى الذي تكلم به وزير إعلام ليبيا، ليس جديدًا في حد ذاته على كل حال، ولكن الجديد فيه، أن الوزير الجويري قد سمى الأشياء بأسمائها، ربما للمرة الأولى، بعد أن راقب من موقعه، حركة الإخوان هناك، وكيف أن بلدًا في حجم ليبيا، طولاً، وعرضًا، وشعبًا، وأرضًا، لا يعني عندهم سوى أن يكون بيت مال! ولو كانوا يريدونه بيت مال، للإنفاق منه على البلد نفسه، وإخراجه من الهاوية التي سقط فيها، طوال أيام وسنين العقيد القذافي، لما كانت هناك أي مشكلة.. ولكن المشكلة الحقيقية تنشأ عندما يتضح لك أن هذه ليست المرة الأولى التي يبحث فيها الإخوان عن بيت مال يمولون من خلاله مشروع الخلافة العقيم الذي ظلوا يحلمون به، منذ أيام حسن البنا، إلى يوم أن وصلوا إلى الحكم في مصر، في لحظة من أتعس لحظات المصريين! ليست المرة الأولى، لأن أي مراجعة لسلوكهم وقت أن مكثوا في الحكم عامًا كاملاً، تقول بأنهم كانوا يتطلعون إلى دول الخليج مجتمعة، بوصفها بيت مالهم المرتقب، لا أكثر، وكانت هناك إشارات كثيرة صادرة في هذا الطريق، سواء عن محمد مرسي نفسه، أو عن جماعته في عمومها، وكانوا يخططون لهذا، ويسعون إليه، ولولا يقظة حكومات الخليج في الرياض، مرة، وفي أبوظبي، مرة أخرى، ثم في الكويت العاصمة من بعدهما، مرة ثالثة، لكانوا قد انقضوا على هذه العواصم، واحدة وراء الأخرى، لأنهم كانوا في عجلة من أمرهم، ولأن هذه العجلة نفسها هي التي كشفت ما هو في الخفاء، وما هو في الضمائر! لم تكن ليبيا، وقتها، على بالهم، لأنهم كانوا يتصورون أنهم قد وقعوا على بيت مال أكبر منه في الخليج، وربما بيت مال أسهل من حيث قدرتهم على الانقضاض عليه، واقتناصه، وإذا كان هناك مَن سوف يرى أنني أبالغ في شيء من هذا، فليراجع ما كان يصدر عنهم من زلات اللسان، في ذلك العام، وخصوصًا تجاه السعودية والكويت. ففي زلات اللسان، ينكشف دومًا كل ما هو مخبوء أو ينكشف جزء منه على الأقل، ولأن هؤلاء الإخوان، لم يكونوا صادقي النية يومًا مع الله تعالى، ولأنهم راحوا يحدثون الناس باسمه تعالى، ثم يفعلون كل ما يسيء إلى دينه، فقد أرادت السماء في لحظة أن تتخلى عنهم، وأن تسحب عونها لهم، لتظهر الحقيقة في داخلهم، عارية، ودون أي غطاء! ولذلك، فإن علينا أن نتأمل كيف أن الله قد مد لحسني مبارك، مثلاً، ثلاثين عامًا في الحكم، ثم كيف أن الله لم يمهل مرسي، إلا عامًا واحدًا.. لماذا؟!.. الإجابة قد تكون لأن مبارك لم يزعم في أي لحظة أنه يتكلم باسم السماء، ولم يحدث أن ادعى أنه مبعوث الله على أرضه، ولم يحدث أن خرج على الناس بما قال الله، وقال رسوله الكريم. على العكس تمامًا، كان مرسي وجماعته، وكانوا يقولون إنهم وكلاء الله في أرضه، وكانوا يتصرفون على أنهم وحدهم الإخوان «المسلمون» وكأن غيرهم، والحال هكذا، غير مسلمين، وهذه بالضبط هي الفكرة التي التقطها الملك عبد العزيز آل سعود، عندما طلب منه حسن البنا تأسيس فرع لـ«الإخوان» في المملكة، إذ فاجأه الملك المؤسس عندما قال ما معناه، إنه لا داعي لذلك، لأننا كلنا مسلمون! إن «رسالة» السماء إلى الإخوان، من خلال العام الذي حكموا فيه، في مصر، أنه لا يجوز أن تتكلم باسم الله، ثم تكذب عليه.. لا يجوز لأن الله في حالة كهذه، لن يمهلك، وهو ما كان.. أما أن تحكم باسمك، وليس باسم الله، كما كان يحكم مبارك، أو غيره، ثم تفعل ما يبدو لك، فأنت حر، لأنك في حالة كهذه، لا تتكلم باسم السماء، ثم تكذب عليها، وعلى الناس، وإنما تتكلم باسمك، وبالتالي فحسابك سوف يكون حين يقوم الحساب، إنْ عفوًا، وإنْ عقابًا، وأتصور أن الفيصل هنا، سوف يكون هو مدى صدق نواياك كحاكم شاء له الله أن يرفعه فوق الناس. وعندما ينظر الإخوان إلى ليبيا، على أنها مجرد بيت مال، للإنفاق على الكذب على الله، ثم على الناس، ولا ينظرون إليها بوصفها دولة فيها بشر، وهؤلاء البشر لهم مصالح أمر الله بمراعاتها ممن يحكمهم، فلا بد أن يكون حظهم مع بيت مال ليبيا في المستقبل، هو نفسه حظهم مع بيت مال الخليج في أيام مضت!