الآن، ومع عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (السيد بيبي) لقضيته حول إيران أمام الكونغرس، ومع أجواء السيرك الدولي المنصوب حولها، دعونا نطرح سؤالا جادا: ما هي مصلحة الولايات المتحدة في عقد اتفاق مع إيران؟ وذلك لأن مصالحنا ومصالح إسرائيل ليست دائما على خط الاتساق ذاته. فما هو الحد الأدنى المطلوب لتلبية أو للوفاء بمصالحنا؟ وكيف يمكننا موازنة الانتقادات الموجهة لسياساتنا من نتنياهو الجاد للغاية في مقابل انتقادات نتنياهو الساخر للغاية؟ ما تتفق عليه الولايات المتحدة وإسرائيل، كما أتفق عليه معهما، هو وجوب منع إيران من صناعة القنبلة النووية، نظرا لإمكانية استخدامها في تهديد الدولة اليهودية، بمجرد تحميلها على رأس صاروخي، كما يمكنها تهديد أوروبا والعرب على حد سواء. علاوة على ذلك، إذا ما حصلت إيران على القنبلة النووية فسوف يدفع ذلك كلا من السعودية وتركيا ومصر لانتهاج السبيل نفسها، ومن ثم، وعلى نحو مفاجئ، نجد أنفسنا وسط محيط من الشرق الأوسط المفعم بحروب الوكالة والممتلئ كذلك بالأسلحة النووية - مع القليل للغاية من الضمانات الرادعة التي كانت ذات تأثير في ما بين واشنطن وموسكو إبان حقبة الحرب الباردة. عند هذه النقطة نجد الرئيس أوباما يتقاسم المخاوف ذاتها مع رئيس وزراء إسرائيل. وعلى الرغم من ذلك، يدفع السيد بيبي أن أي اتفاق يُبرم مع إيران ينبغي أن يقضي بإزالة كل أجهزة الطرد المركزي والمكونات ذات الصلة والتي يمكنها تخصيب المواد لصالح بناء القنبلة. وإنني لا أحسده على تلك الرغبة. كما يشاركني أغلب من أعرفهم الإسرائيليين الشعور ذاته. ولكن، وكما لاحظ روبرت اينهورن، وهو عضو سابق في فريق التفاوض الأميركي مع إيران، في مقالة للرأي نُشرت في مجلة «التايمز»، فإن ذلك الموقف «ليس قابلا للتحقيق ولا هو من ضروريات» حفظ أمننا أو أمن حلفائنا في منطقة الشرق الأوسط. لم يتقدم نتنياهو حتى الآن بحجة مقنعة تفيد بأن الابتعاد عن مسودة اتفاق أوباما مع إيران سوف يؤدي للخروج بصفقة أفضل، أو المزيد من العقوبات الاقتصادية، أو الإذعان الإيراني - وليس وضعا تواصل فيه إيران التحرك في اتجاه بناء القنبلة ولا يتاح لدينا وقتها إلا خياران، فإما التعايش مع ذلك أو قصف إيران، مع كم الفوضى الهائلة التي قد يخلفها التماس أي السبيلين. وفقا لذلك المعنى، وصل خطاب السيد بيبي أمام الكونغرس إلى حد الكمال، إذ قال: لديّ خطة أفضل، وهي لن تكلفنا شيئا أو تستلزم أية تضحيات من جانب الشعب الأميركي. كان حريا بالرجل أن يكون عضوا في الكونغرس بحق. إن موقف الولايات المتحدة - والذي تشاركها فيه كل من الصين، وروسيا، وألمانيا، وبريطانيا، وفرنسا - هو: باعتبار أن إيران قد أتقنت بالفعل أساليب صنع القنبلة النووية وتمكنت من استيراد كل المكونات اللازمة للقيام بذلك، على الرغم من العقوبات الاقتصادية المفروضة، فمن المحال إزالة أو القضاء على القدرات الإيرانية لصناعة القنبلة. أما الممكن فهو مطالبة إيران بالتراجع عن تخصيب اليورانيوم وعن المضي قدما في غير ذلك من التقنيات، التي إذا ما قررت إيران في يوم من الأيام صناعة القنبلة فلن يكون أمامها أقل من عام كامل لتنفيذ ذلك فعليا - وهو وقت أكثر مما تحتاجه الولايات المتحدة وحلفائها لتدمير تلك الجهود. اعتقد أن مثل تلك الصفقة تصب في صالح الولايات المتحدة إذا - وأكرر إذا - تضمنت بنود الاتفاقية موافقة إيران على السماح بإجراء التفتيش الثابت، والاقتحامي، والمفاجئ على، وكذا القيود المفروضة على، كل القدرات الإيرانية لصناعة القنبلة، وإذا، حتى بعد انقضاء مهلة السنوات العشر المنصوص عليها، كانت هناك عمليات تفتيش أخرى على غير المعتاد. من شأن تلك الشروط تهدئة المخاوف الاستراتيجية الأميركية، وهي تتيح في الوقت ذاته الإمكانية - وليس أكثر من ذلك - لإيران لكي تندمج مجددا في النظام العالمي. وفي نهاية المطاف، ليس لدينا من ضمان أكيد حيال الطموحات النووية الإيرانية سوى التغييرات ذات الدوافع الداخلية في شخصية وطابع النظام الحاكم هناك. علاوة على ما تقدم، جاءت رسالة السيد بيبي لتفيد بأنه ليس من شيء أكثر أهمية من ردع إيران. حسنا، ولكن، إذا كان ذلك على رأس أولوياتي، فهل يستدعي الأمر تنظيم دعوة للحديث أمام الكونغرس من خلال استغلال الحزب الجمهوري وتنفيذ ذلك فعليا من دون إبلاغ رئيس البلاد الذي يدير المحادثات مع الجانب الإيراني؟ وهل يستدعي الأمر كذلك التقدم بخطابي قبل أسبوعين من عقد الانتخابات العامة الإسرائيلية، حيث يبدو الأمر وكأن الكونغرس استغل الأميركيين كخلفية لإحدى الإعلانات الانتخابية، مما يثير التساؤلات حول أن معارضتي لإيران ليست إلا موقفا سياسيا جزئيا. بكل أسف، ليس السيد بيبي إلا ونستون تشرشل عندما يتعلق الأمر بقضية عزل إيران، لكنه ليس إلا غائبا بلا عذر، عندما يتعلق الأمر بالمخاطرة بمستقبله السياسي كي يُحقق ذلك. ولديّ مشكلتي مع ذلك أيضا. فما زلت لا أعرف ما إذا كنت سأدعم تلك الصفقة مع إيران أم لا، لكن لديّ مشكلتي كذلك مع كونغرس بلادي الذي يصرخ داعما لزعيم دولة أجنبية يحاول إفساد المفاوضات التي تشرف عليها الحكومة الأميركية قبل الانتهاء منها. إن ذلك يسبب لي الكثير من الضيق بحق.