إن الجهل سبب عظيم لإضاعة الدين والدنيا، فمن غاب عنه العلم لم يحسن التصرف لا في شؤون الدين، ولا في شؤون الدنيا، يعلم هذا بداهة من علم العقل قبل الشرع، لذا حذر الله عز وجل من الجهل وأمر بالعلم، ولا يتحقق علم مع جهل، فربنا عز وجل يقول: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ)، فإن كان الاستغفار عمل يمحو به العبد ذنوبه، فلابد من سبق العلم له بأن الله هو الإله الذي يغفر الذنوب، كما يقول: (إنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إلَهَ إلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)، فلا تصح عبادة قبل أن تعلم أن الله هو الإله، فسبق العلم ضرورة لصحة عبادتك لله، لذا أمر الله رسله ألا يطيعوا الجاهلين فقال مرشداً لهم: (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الجَاهِلُونَ)، وأمر أحد رسله من أولي العزم "نوح" عليه السلام أن يقول: (وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ)، ومن الجهل الموبقات، فالله قد خاطب قوم لوط قائلاً: (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)، كما أن الشرك بالله كما هو ظلم هو جهل أيضاً، فالله يقول: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إسْرَائِيلَ البَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ). ولن تجد على وجه الأرض معصية لله إلا وكان سبب إتيانها الجهل، ولن تجد ضياعًا للدنيا وخسارة لها إلا بسبب الجهل أليس ربنا يقول: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ الله عَلَى حَرْفٍ فَإنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ). فالتطرف والتشدد في الدين والغلو فيه إنما سببه الجهل بدين الله، فهذه الجماعات التي تستبيح الدماء والأموال والأعراض كداعش وأخواتها إنما قادهم لارتكاب هذه الموبقات ولاشك جهل بالدين بلغ الغاية، ولا يغرن أحداً ما يرددونه من آيات الكتاب العظيم أو نصوص السنة النبوية، فقد حفظوها وغاب عنه ما تدل عليه، فهو جهل مركب يجهلون الدين ويجهلون أنهم جاهلون. والتطرف المقابل الذي يبلغ درجة إنكار الدين وأحكامه والسخرية بنصوصه هو جهل على الطرف الآخر يهدم ولاشك الحياة، فمن لا دين له لا يتورع عن المعاصي، فليحذر المسلمون الجهل بالدين، فهو يقودهم ولاشك للجهل بالدنيا، فهل هم فاعلون؟! هو ما أرجو، والله ولي التوفيق. alshareef_a2005@yahoo.com