يربك انتقال المواطنين من القرى والمناطق النائية إلى المدن الكبرى والرئيسية (وهو ما يعرف بالهجرة الداخلية)، الخطط التنموية التي تعدها الدول، إذ يسهم ذلك في زيادة الضغط على الخدمات كالماء والكهرباء والسكن والصحة وغيرها، خصوصا أن تلك الخطط والاستراتيجيات لم تضع في الحسبان أولئك المهاجرين، لذا يجب وضع حلول لهذه المشكلة التي تعاني منها غالبية الدول ومنها المملكة، من خلال الحد من الهجرة الداخلية، عبر تطوير القرى والمدن الصغيرة وتزويدها بجميع الخدمات وعوامل الجذب التي تتوافر في المناطق الرئيسية. وبين أحمد الشمراني وعلي الزهراني أنهما وعدد من زملائهم وأقاربهم غادروا خلال الثلاثة العقود الماضية، قراهم في الجنوب إلى المدن الرئيسية مثل جدة ومكة المكرمة والرياض والدمام بحثا عن حياة أفضل في ظل محدودية المجالات التعليمية والتدريبيبة والصحية والوظيفية في قراهم ومراكزهم. وذكر الزهراني أن كثيرا من الشباب يغادرون قراهم بحثا عن تخصص تعليمي غير موجود في مناطقهم الأصلية أو الحصول على تدريب في مجال معين أو الالتحاق بتخصص جامعي، مشيرا إلى أن الهجرة الداخلية تؤثر سلبا على خطط التنمية، فالقادمون إلى المدن الكبيرة يسهم في زيادة الضغط على الخدمات التنموية مثل الماء والكهرباء والسكن. ودعا أحمد الشمراني إلى الحد من هذه المشكلة من خلال توفير مزيد من الخدمات في القرى والمدن الصغيرة، لتكون جاذبة للسكن، وتستوعب عدد لا بأس به من السكان، بدلا من أن تكون مصدرة إلى المدن الكبرى، مشيرا إلى أن القطاع الخاص يتحمل جزءا من المسؤولية من خلال توجيه رؤوس الأموال لتلك المدن لافتتاح المعاهد التدريبية والمراكز التعليمية المتقدمة وغيرها والتي ستسهم بشكل كبير في وقف رحيل السكان للبحث عن التعليم والتدريب اللازم بالمدن الكبرى. وألمح الشمراني إلى أن تحرك المستثمرين لإنشاء المجمعات التجارية ومراكز التسوق سيلبي حاجة السكان وسيوفر كثيرا من الوظائف التي يترك الكثير من الشباب والشابات مدنهم لأجل الالتحاق بها في المدن الكبرى. وطالب سعد المالكي القطاع الخاص بالمشاركة مع الحكومة في تنمية القرى والمدن الصغيرة لتحتضن كثيرا من الشباب، من خلال تدريبهم وتوظيفهم من جهة، ووقف هجرة السكان من جهة أخرى، ما يعود بالنفع على الخدمات المقدمة لسكان المدن الكبرى ويقلل من الضغط عليها. وشدد المالكي على أهمية استثمار رجال الأعمال في المجالات الطبية وإنشاء مراكز طبية متخصصة كالموجودة في المدن الكبرى، لافتا إلى أن ذلك سيعمل على وقف تدفق الآلاف من سكان القرى والمناطق الصغيرة إلى المدن الكبيرة، بحثا عن العلاج، موضحا أن المهمة تقع على الجهات الحكومية في هذا الجانب، لتشجيع رجال الأعمال على الاستثمار في تلك المدن وتقديم التسهيلات لهم. ورأى حسن بركات أن توفر الخدمات الأساسية كالكهرباء والطرق والمدارس الحكومية في القرى والمدن الصغيرة ليس علاجا كافيا للحد من الهجرة إليها، بل يجب أن توفر مراكز طبية متقدمة كالمتخصصة في علاج الأورام وغيرها من الأمراض إضافة لأهمية وجود مشاريع تنموية متنوعة تستوعب أعدادا من الخريجين لوقف تلك الهجرة. وبين بركات أن الإنسان بطبعه يبحث عن الراحة ويرفض التعب والمشقة، لذا يفضل أن يعيش في منطقة تتوافر فيها كل ما يحتاجه من مراكز تعليم ومستشفيات ومطارات، ووجوده في المدن الكبرى، يوفر عنه المشقة والتعب بالانتقال من قريته أو مدينته إلى المدن الكبرى.