في حارتنا القديمة كانت التحالفات تعقد على غير تلقائية فهناك محركات ومصالح تؤثر في شباب الحي، فيجتمعون تارة وأخرى يتحزب بعضهم ضد البعض ويتحدون أحياناً في وجه الغير وفقاً لروابط التاريخ والقربى، ويقاطع بعضهم الآخر أو تفتر علاقتهم معه وفقاً لإملاءات تغذي ميولهم وتفرض عليهم محددات وسلوكيات، ويصير أن يبيع بعضهم الآخر أو يفشي سره وبلا سبب ظاهر، هكذا كانت الحواري وها هي الدول تمارس ذات اللعبة الصبيانية التي يترفع عنها الكبار؛ ولكن يبدو أن النفس البشرية توجهها معايير سلوكية واحدة في كل المراحل، وتبقى لعبة الدول هي نفسها ذات اللعبة التي مارسها أطفال الحارة هنا وهناك في صورة مكبرة ومخجلة في ذات الوقت، وفي اليمن حيث، وصول الرئيس الشرعي عبد ربه هادي إلى عدن ولسان حاله يقول: لا بد من صنعاء وإن طال السفر هناك مياه كثيرة جرت تحت الجسور وبكثافة وسرعة هذه المرة، ولا تزال المياه تجري بغير ما تشتهي كل الأطراف وكل المتابعين للمشهد اليمني الذي تبدلت فيه مواقع ومواقف، بينما ظل الشعب يفتش عن سعادته دون أن يراها حيث لعبة الحارات مستمرة ورغيف الخبز يشح ولا صوت هناك سوى صوت البنادق. في اليمن الآن مخاض عسر وتوأمة تأبى السلامة والتوافق وسجال ربما يطول ليفضي إلى ما لا تشتهي الأنفس والأطراف. غادر الرئيس هادي صنعاء واستقبلته عدن رئيساً شرعياً ولا تزال شكلية وصوله مبهمة، فهل غادر ضمن صفقة لحفظ ماء الوجه للمحتل العابث الذي تسلل للسلطة؟، وما هو الدور المصري في اللعبة؟ وهل كان مع أو ضد؟، ومن أثر في هذا التوجه وما أعقبه من تحول؟، فهل هي روسيا بعروضها أم دول الخليج أو لعبة شد الحبل بين الأطراف التي لا تزال مستمرة؟ نعود إلى حكاية إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطالياً فعلينا أن نعرف ماذا في البرازيل، فهناك صراع قائم في اوكرانيا. وهناك ساحة مفتوحة في سوريا وليبيا وهناك مفاوضات لإيران مع المجتمع الدولي حول برنامجها النووي، وهي الورقة الأبرز التي تحاول من خلالها إيران تحقيق الكثير من المكاسب باعتبارها محرك المشهد اليمني لفرض مصالحها في مهمة التفاوض حول البرنامج المشبوه، وهناك أيضاً أسعار النفط المتذبذبة وهناك تطرف مستشر ومتغلغل في المنطقة واليمن تحديداً وهناك تشكيلات إقليمية تفاجئ المنطقة كل صباح. غادر الرئيس هادي صنعاء وجحافل الحوثيين تتمركز هنا وهناك، وتتمحور السياسات الإقليمية تبعاً لبوصلة الصراع الخفي الذي يمكن استقراؤه من عدة وجوه، فهل أذن للحوثيين الوصول للسلطة لإفشال مشروعهم عن بكرة أبيه لعدم أهليتهم أصلاً لهذه المهمة الكبرى، ولإسكات صوتهم بالفشل الظاهر وكشف أوراقهم أمام العالم، كما فُعل بالعراق حين زين لصدام احتلال الكويت ووظفت دول لتأييده وتوريطه بالمهمة القذرة التي ظلت عاراً عليه؛ ذهب صدام بسمعة غير جيدة من احتلال الكويت وذهبت العراق في غير طريق، بينما اللعبة تتكرر في اليمن ليبتلع الحوثيون الطعم، عموماً حسنة وصول هادي إلى عدن تجهض محاولات الجنوبيين في الانفصال، وتعيدهم للقيام بدورهم تجاه عموم بلادهم، كما أن قيام الرئيس هادي بمهامه في عدن يرمم الثقة في رجالات اليمن المخلصين للعودة ببلادهم إلى الحضن الدولي كدولة سلام واستقرار. فقد أثبت الواقع أن الحوثيين ليسوا بالقدرة على إدارة الدولة، وليس لديهم من مسوغات الحضور سوى السلاح والأجندات المستوردة بين شعب وتاريخ، لا يشكلون فيه سوى الأقلية فإدارة البلاد ليست كإدارة ميليشيا متسكعة.