في الأسبوع الماضي استمع مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية إلى عرضين من وزيري التعليم والزراعة «في شأن توجهات الوزارتين ورؤاهما وأهدافهما المستقبلية» واتخذ حيالهما التوصيات اللازمة. هذه هي المرة الأولى التي يقدم فيها أي وزير خطة عمل تتضمن منطلقاته وأهدافه وحاجاته في الشهر الأول من عمله، ما يعني أن هذه الخطوة هي القاعدة لكل وزارة، فلا يمكن الوزير أن يمضي ارتجالاً من دون أن تعرف القيادة، على الأقل، ماذا سيعمل وإلى أين سيمضي، وأنه سيكون ملزماً بالخطة ومسؤولاً عن تنفيذها، خصوصاً أن المجلس الذي يضم جميع الوزارات الخدمية معني بحل الإشكالات البينية وتوفير متطلبات الوزير ليكون قوله تطبيقاً. ربما كان البدء بهذين الوزيرين مجدولاً، وربما كانا الأسرع في ترتيب شؤونهما لخبرتهما العريضة في مجاليهما، فهما بحكم تربيتهما في القطاع الخاص معاديان لطرق العمل الغائمة، ولا يمكن النجاح من دون مسار مكتمل في أهدافه وطرق تحقيقها، وإن جاز هذا القول فإن هذا الأسبوع سيشهد دور وزيري الخدمة المدنية والصحة، فهما متشبعان بأوضاع وحاجات وزارتيهما، وإن كانت إشارة الانطلاق للجميع مرتهنة بأداء وزير الخدمة المدنية، فمعظم المعوّقات تسكن نظام وزارته، وإحباطه كل مسؤول متطلع يكتشف أن قدميه مثقلتان بقيود تجعل منه واجهة وزارية لمؤسسة لا يملك مفاتيح تحديثها وتطويرها. ولعل على كل وزير يعرض خطة وزارته أن يربط تحقيقها بضرورة تحديث أنظمة الخدمة، ليكون مدارها الإنتاجية والكفاءة ومرونة الحركة، بدلاً من الاتكاء على الأقدمية فقط. في ظني أن بعض الوزراء لن يُعمَّر أكثر من بضعة أشهر هي عمر التحول من الظن والأمل إلى مرحلة العمل والإنتاج، أما من يعجز عن تقديم خطة أولى متماسكة فقد لا يعيش هذه الفترة كاملة. خطة الحكومة حين اجتذبت القطاع الخاص لم تكن شكلية أو مظهرية، بل رهاناً على اختزال الزمن وتكثيف الإنتاج، وأن يكون سلاحاً مبيداً للبيروقراطية وأذرعتها المعوِّقة، والمؤكد أن اجتماعات مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية (كل ثلثاء) لا غاية بروتوكولية لها، إنما في خاتمتها ماذا سيتحقق وإلى ماذا سنصل؟ ولعل اختيار (الثلثاء) أنه يتيح نحو أسبوع لاعتماد الخطط وإعداد التوصيات كاملة قبل عرضها على مجلس الوزراء. الوقت هو سيف الحكومة، وكل من يفشل في التناغم مع إيقاع الإنتاج فإنه لن ينجو من سيف الوقت، فهو مثل ساعة الرمل يرتفع ساعده كلما تباطأ الإيقاع، وكل من يعجز عن استيعاب المرحلة الجدية فسيكون الاستبدال مصيره، لأن الثقة الملكية بوابة امتحان وليست هبة مستدامة. أنجح الوزراء هو أسرعهم في الخلاص من البيروقراطية والهيكلة الإدارية المترهلة إن حصل على الدعم اللازم الذي يكسب الوزارات رشاقة الشركات وسرعتها في اتخاذ القرار، أما أسهلهم عملاً فهو وزير الشؤون الإسلامية، بحكم تجربة سابقة وطويلة في وزارته، ولا يحتاج وقتاً طويلاً في عبور صحراء البيروقراطية، أما أصعبهم مهمة وأكثرهم حاجة إلى مهلة أوسع، فهو وزير التعليم، إذ يحمل الجزء الأصعب والأكثر تعقيداً، وإن كانت سرعته في عرض خطته توحي بامتلاكه خيوط المشكلة، ويبقى الأداء والإنجاز هما الشاهد الذي لا يكذب أهله. الزمن هو المحك، والتجربة هي النتيجة، فإما أن تتسع مظلة التفاؤل وإما أن تتسلل سلطة البيروقراطية فتعيد الأوضاع إلى سكونها، إلا أن البدايات القوية والحازمة تشير إلى أن الطريق لا عودة عنه ولا مجال فيه للاستراحة.