×
محافظة المنطقة الشرقية

الدفاع عن المتهم بالردة باستخدام ذريعة المخدرات

صورة الخبر

أشعر ببعض الملل من تكرار نفس النقد حول المدينة السعودية، فمنذ عدة سنوات وأنا أتحدث عن ممارسات "بلدية" مثيرة للسخرية أحياناً فنحن نبدد المال العام لنزيد مدننا قبحاً ونسلب جمالها. يجب أن أقول إن "المزيج العمراني" الذي يتوالد بشكل سريع في مدننا صار يشكل الثقافة الجمالية العامة شئنا ذلك أم أبينا فالإنسان ابن بيئته ويتشكل "مخياله" الجمالي مما يشاهده يومياً. لقد وصل بنا الأمر أنه عندما يتحدث أحدنا عن الجمال يهز البعض رأسهم باستهزاء، وكأنهم يقولون "جمال أيه اللي بتقولوا عليه"، على أنه عندما تكون الثقافة السائدة هي إنتاج القبح يصبح الأمر مثيراً للفضول. قبل أيام كنا في أبها في قرية العكاس وكان معنا الكاتب والأديب أحمد أبو دهمان (صاحب رواية الحزام) ووصف مدينة أبها بأنها "مجزرة معمارية" وكان يعلق على غياب الغطاء الأخضر في هذه المدينة الجبلية الجميلة. قلت له فما بالك لو علمت أن وادي أبها في طريقه للاختفاء من وسط المدينة فقد تمت تغطيته بالخرسانة، وذلك المكان الجميل سوف يتحول إلى ساحة وأرصفة أسمنتية بدلاً من أن يكون حدائق ومتنزهات تعزز من جمالية وسط المدينة. مزيدا من الفقد لفرص الجمال الطبيعي تعيشه هذه المدينة وغيرها بسبب قرارات غير مدروسة، فأبها ليست المدينة الوحيدة بل كل مدن المملكة تعاني من ثقافة القبح التي تصنعها البلديات دون قصد في غالب الأحيان، وأنا هنا لا أبرر ما تقوم به البلدية لكن يبدو أن هناك حلقة مفقودة علينا أن نستكملها حتى تقوم هذه المؤسسة بدورها الصحيح. في الحدود الشمالية، في عرعر، راعني منظر متنزه نفذته البلدية وهو عبارة عن مسطحات هائلة من "الأنجيلة الصناعية" الملونة بدلاً من المزروعات الطبيعية بحجة ظروف الجو وندرة المياه. بالنسبة لي لم أستطع تحمل المنظر المفجع، فهذا إمعان في القبح وبناء ثقافة قائمة على "المزيف" غير المقبول جمالياً ولا حتى بيئياً. في بعض المدن لاحظت أن ثقافة القبح تأخذ أشكالاً غير مباشرة وإن كانت في نهاية المطاف ستكون عبئاً على المدى الطويل على هذه المدن، فمثلاً هناك مدينة مصغرة يوجد داخلها أسواق على شكل نخلة في إحدى العواصم التقليدية في بلادنا، وأخرى على شكل غصن زيتون، وكأن المدينة أصبحت حقل تجارب وأشبه بمدينة "عالم ديزني" حيث يظهر المتخيل والأسطوري على شكل تكوينات عمرانية ماثلة للعيان. أحيانا أشعر بأن مدننا أو أجزاء منها أصبحت أقرب ما تكون للمدن "الكرتونية" المؤقته، والأدهى والأمر أن كل هذا ينفذ بالمال العام، فهذه مشاريع بلدية تمول (أو تمول بنيتها التحتية) بأموال يفترض أن تصرف لخدمة سكان هذه المدينة لا أن تزيد من رقعتها العمرانية وتثقلها على مستوى التشغيل والصيانة. ثقافة القبح لها جذور عميقة وتاريخ متوطن في مدننا، فعلى مدى النصف قرن الأخير لم تفلح محاولات البلدية في جميع المدن من تغيير هذه الثقافة، حتى جدة التي حاولت أن تكون مدينة الفن وتحولت لفترة وجيزة جدا إلى متحف مفتوح لم تستطع الصمود وما هو إلا عقد ونيف حتى بدأت تتصدع وتعود إلى الأصل. هذه الظاهرة تستحق منا الدراسة، فمن غير المعقول أن تكون مديننا "جينيا" لديها الاستعداد لصناعة القبح، وليس من المنطق أن يستمر جهاز البلدية ومن ينتسب لها في ابتكار وسائل جديدة في كل فترة زمنية من أجل نشر القبح الحضري وتوظيف المال العام لتحقيق ذلك. أحيانا أشعر بالاستغراب من هذه الظاهرة وأحيانا أخرى أشعر بالحزن الشديد لأننا نجعل المستقبل أكثر قتامة وبأيدينا وأموالنا. بالنسبة لي وجدت أن أحد الأسباب التي تصنع هذه الثقافة هو عدم المشاركة المجتمعية في القرارات العمرانية. طبعاً فكرة المجلس البلدي لم تنجح ونسي الناس هذا المجلس وعملية انتخاب المجلس البلدي أصبحت "تسلية" ومع الوقت أصبحت تسلية "بايخة"، وفي اعتقادي أن ابتعاد الناس عن القرارات العمرانية يجعل البعض في البلديات ينفردون بالقرارات، علما بأن أغلب من يدير البلديات ليس لديهم خلفية حضرية وجمالية يعتد بها، لكنهم يتخذون قرارات تؤثر على المدينة وصورتها بحيث يمتد هذا التأثير لسنوات طويلة ومعالجته غالباً تكون مكلفة جداً. أستطيع أن أتحدث عن الكثير من القرارات العمرانية التي تم اتخاذها خلال العقود الأخيرة وما زال تأثيرها السلبي ماثلاً للعيان حتى اليوم. المشكلة الحقيقية هي أن الناس تتقبل هذه القرارات الفردية دون حول منها ولا قوة، رغم أنها تؤثر على حياتها وتقلل من كفاءة المدينة التي يسكنوها، فقد وصلوا إلى قناعة أن البيئة العمرانية منوطة بآخرين غيرهم، وهذا هو أحد مصادر صناعة القبح الحضري، فعندما يكون القرار العمراني في يد القلة يدفع الكثرة الثمن. كان من المفترض أن يكون المجلس البلدي هو "الرأي الآخر" بصفته ممثلاً للمجتمع لكن للأسف لم يصنع له أي دور واستمرت المدن في صناعة القبح وإهدار المال العام والذي سيدفع الثمن هم الأجيال القادمة لأن النتائج الكارثية للعديد من القرارات الحضرية التي تتخذ اليوم ستتحملها هذه الأجيال لأن كلفة معالجتها ستكون باهضة جداً وسيصبح عليهم التعايش معها رغماً عنهم. الإشكالية الأخرى أن ثقافة القبح هذه صارت هي عنوان "شخصية المدينة السعودية" ولم تعد هناك هوية واضحة للمدينة إلا من خلال هذه الصور الغريبة، فمثلاً أطراف العاصمة الرياض تمتد إلى ما لانهاية، لكنها أطراف عبارة عن مبان بشعة "خرائب" تحتل شوارع وطرقات رئيسية لا تكاد تتوقف عند أي مبنى لافت للنظر. امتداد وظيفي لا معنى له يزيد من كلفة تشغل المدينة ويعقد تركيبتها الحضرية والاجتماعية ولا يضيف للعاصمة أي قيمة. والذي يظهر لي أن الأسئلة الضرورية لعملية التخطيط العمراني اختفت ولم يعد أحد يكترث ويسأل لماذا مدننا تتمدد وتتعقد وتصنع القبح أثناء تمددها وتبدد ثرواتنا على تشغيل بيئة حضرية مصابة بالهرم والشيخوخة وليس لها أي قيمة ثقافية. هذا السؤال الذي يشكل مفصلاً تنموياً مستقبلياً اختفى تماماً من قاموس النقد الإعلامي ولم يعد يطرح على المستوى الأكاديمي وكأن الأمر لم يعد يعني أحداً. لمراسلة الكاتب: malnaim@alriyadh.net