فيما توعدت الإدارة العامة للتعليم في منطقة عسير، المقاصف المدرسية بعقوبات رادعة في حال مخالفتها لائحة الاشتراطات الصحية، الثلثاء الماضي، رصدت «الحياة» في جولة ميدانية على مدارس من مراحل عدة في منطقة عسير مخالفات بالغة الضرر بالصحة العامة، تجري في المقاصف المدرسية، متمثلة ببيع سندويتشات «برغر الدجاج» بوصفها وجبة غذائية صباحية، وألواح من الشوكولاتة المسببة للسمنة، لطلاب المرحلة الابتدائية، وسط اتهامات لمديري المدارس بالصمت وعدم اعتماد قرارات تحظر بيع هذا النوع من الأغذية. وكشف أكثر من 23 طالباً وطالبة من ست مدارس ابتدائية ومتوسطة وثانوية، استطلعت آراءهم «الحياة» على مدار أسبوعين عن أوضاع المقاصف المدرسية في منطقة عسير، عن اضطرارهم إلى الإفطار صباحاً - وهي الوجبة التي يشدد الأطباء واختصاصيو التغذية على أهمية تنوعها وملاءمتها لجسد الإنسان بعد استيقاظه من النوم، سندوتيشات مكثفة الدسم، ومشبعة بالدهون، ومكتنزة بأنواع مختلفة من السعرات الحرارية، جراء استخدام «الكاتشب» و«المايونيز»، إضافة إلى ألواح مختلفة من البسكويت والشوكولاتة التي بفعلها أصبح لدى السعوديين معدلات ليست بالصغيرة من مرضى السكر الأطفال! وبحسب الطلاب، فإن الجنسية البنغلاديشية هي الأكثر سيطرة على المقاصف المدرسية في أبها، والتي تقرر - بالتنسيق مع مستثمري هذه المقاصف، ويرمي البعض إلى أن غالبيتهم من مديري المدارس أو وكلائها - نوعية الغذاء المخصص للطلاب، في غياب لافت وواضح لإدارات الصحة المدرسية عن الإشراف عليها، إلا في استثناءات معدودة. من جهته، تحدث أحد المستثمرين في المقاصف المدرسية (فضل عدم الكشف عن اسمه) عن وجود مجموعات ذات علاقات واسعة في التعليم تسيطر على المقاصف التي تحقق مداخيل عالية، مؤكداً أن إدارة هذه المقاصف تجري بعشوائية من حيث اختبار أنواع الغذاء المقدم. وقال المستثمر لـ«الحياة» إنه من غير المعقول أن يتناول أطفال في سن تراوح بين 10 و15 عاماً، سندويتشات «البرغر» و«الدجاج» و«البطاطس المقلية» والمشروبات الغازية، مضيفاً: «وهذا ليس بمستغرب، فالعمالة الأجنبية من تسيطر على المقاصف، وآخر همها هو الصحة العامة، الأهم بالنسبة إليهم هو المداخيل فقط». وأشار إلى أنه قرر بعد إطلاعه على فوضى المقاصف المدرسية إلى مجال آخر للاستثمار، وقال: «أدركت أن صحة الطلاب لا تهم بعض المدارس، والدليل أنني عندما ذهبت إلى مدير مدرسة ثانوية، وقلت له: ما الذي يهمك صحة المواطن أم الدخل؟ فقام ورفع لي يديه عالياً يشير بأصابعه إلى المال، فقلت له إذاً أنا أعتذر، وابحثوا عن عمالة سائبة». من جهته، دعا مستثمر آخر في المقاصف المدرسية (تحتفظ «الحياة» باسمه) المديرية العامة للجوازات إلى تطبيق جولات تفقدية على المقاصف المدرسية، مؤكداً أن المؤسسات النظامية التي تسعى لإيجاد عمالة نظامية، واستخدام أوان نظيفة وخصوصاً للطلاب، وتحرص على تقديم الأغذية ذات الفوائد الصحية العالية، لا تجد مكاناً لها في المدارس. بدوره، طالب الناشط الاجتماعي والمحامي عبدالله العسيري وزارة التعليم والجوازات والإعلام بعدم الاستهتار بصحة الطلاب، وممارسة دورهم وحمايتهم. ولم يستبعد القانوني العسيري وجود «مافيا» حقيقية يقودها مديرو المدارس، مضيفاً: «فما دامت المخالفات موجودة يبقى السر والتحليل والتخمينات والتفسيرات كافة متاحة لكل المراقبين حتى تنتهي المشكلة نفسها». ودعا أولياء الأمور إلى مطالبة وزارة التعليم بفتح تحقيق جدي وعاجل للخروج بنتائج حقيقية وليس تغطية المخالفات والهرب من الواقع. وحاولت «الحياة» التواصل مع مسؤولي الإدارة العامة للتعليم في منطقة عسير لعرض ما توصلت إليه من رصد عن المقاصف المدرسية، بيد أنهم لم يتجاوبوا مع الاتصالات المتكررة. وكانت «تعليم عسير» أصدرت الثلثاء الماضي بياناً صحافياً، أعلنت من خلاله تخصيص فرق للرقابة على المقاصف المدرسية للتثبت من تطبيق لائحة الاشتراطات الصحية، مشددة على ضرورة الالتزام بشروط ومواصفات عقود تشغيل، متوعدة بإتلاف الأغذية الممنوعة التي تجدها فرق التفتيش الميدانية في مقاصف المدارس.