(لَمْ أَعُدْ أَدرِي هَلْ أنَا بَين الأحيَاء أَم الأموَات؟ هَل سأموت قَريبًا دون أنْ أتزوّج؛ أو أُصبح أبًا؟ هَذا إنْ لَم يَتم القَبض عَليَّ وعَزلي وفضيحتي.. مِن أَين الإصَابة أيُّها الأخصّائي؟ إنَّني أَخَافُ الله، واللهِ إنِّي أخَافُ اللهَ.. أنَا لَم أَقُم عَلاقة مُحرَّمة، ولَا أَتعَاطَى مُخدّرات. أخبرني هَل سأَموت قَريبًا؟ كُنتُ أَصرخ بصَوتٍ مَكتوم، لَا يَسمعه أَحد، وَسط أنَّات دمُوعي التي أَبْكَت الأخصّائي مَعي، وقَال لِي: تَعوّذ بالله مِن الشّيطان، وهَذا قَدَر الله وابتلَاؤه، ومَا يُبْتَلَى إلاَّ المُؤمن)..! بهَذه الكَلِمَات دَخلتُ رِوَاية، أَو بالأَصَح قصّة «مُتعَايش في الرِّيَاض»، تِلك القصّة التي كَتَبها «عبدالله صايل» صَاحِب المَرَض، والصَّديق «مُبَارك الدّعيلج»، كَتَبَاهَا، ثُمَّ أهديَاني -وَفّقهما الله لِمَا يُحب ويَرضَى- نُسخَة مِنها، حِين زَارَاني في مَكتبي مُؤخَّرًا.. وقَبل سَرد مُختصر القصّة، دَعوني أُوضِّح لَكُم مَاذا تَعني كَلِمَة «مُتعَايش»، إنَّها تَعني رَجُلاً مُصَابًا بالإيدز، ومُتعَايش مَع المُجتمع عَبر العِلَاج المُستمر، ويَبلغ عَدد هَذه الفِئة؛ قَرَابة 20000 شَخص، رُبعهم مِن السّعوديين تَقريبًا، 96% بسَبَب العَلاقَات المُحرَّمة، وغَير الآمِنَة، و3% بسَبَب المُخدّرات، و1% بسبب انتقَال المَرَض مِن الأُم إلَى الجَنين، حَيثُ يَترَاوح عَدَد الأطفَال المُصابين بَين 60-70 طِفلاً، كَمَا أنَّ أكثَر مِن 70% مِن المُصابين مُتزوّجون، كَما ذَكَر لِي المُصَاب «عبدالله بن صايل»..! أمَّا مُلخّص القصّة، فهي أنَّ شَابًّا كَان يَستعد ويُجهِّز ليَقترن ببِنت عمّه؛ قَبل أنْ يَكتَشف أنَّه مَريض بالإيدز، نَتيجة خَطأ طبِّي، فحَاول أنْ يلغي الزَّوَاج دون أنْ يَعرف أَحدٌ بمَرضه، ونَجَح في مَسْعَاه؛ رَغم مَا سبّبه ذَلك مِن خِلاف بَين وَالده وأعمَامه، واستَمَر خَالد -كَمَا سمّى نَفسه في القصّة- يَبحث عَن وَظيفة دون جدوَى، فاضّطر للعَمَل كسَائِق سيّارة أُجْرَة..! كَان بَطل القصّة -في البدَاية- نَاقِمًا عَلى المُجتمع، وكَاد أنْ يُؤذي نَفسه ومُجتمعه، ولَكن بَعد تَفكيرٍ مُستفيض؛ قَرّر أن يَنظر إلَى مَرضه بطَريقة إيجَابيّة، تَحمل رِسَالة سَامية لصَالح مُجتمعه تَقول: (لنَحتوِ مَريض الإيدز قَبل أنْ يَنتَقم مِنّا)، وبَعد فَترة قَرَّر «خالد» الزَّواج مِن مُتعَايشة مِثله -أي مُصَابة أيضًا بالإيدز- ولكنَّها تَختلف عَنه في العِرق والنَّسَب واللّون، وأكبَر مِنه بعَشر سنوَات، وكَانت ثيبًا، ولَكنّه أَقْنَع أُسرته بالاقترَان بِهَا، وهو الآن يَأمل أنْ يَحتويه مُجتمعه، وأنْ يُنجب طِفلاً سَليمًا، ليُصبح «أَبَا رَاكَان»، كَمَا يُحب أنْ يُكنّى..! والمُفرح في الأَمر، أنَّ الدَّار العَربيّة للعلُوم «نَاشرون»، بَادرت بطبَاعة الكِتَاب مَجانًا، وتَنازلت عَن 35% مِن عَوائدها المَاليّة لبَطَل القصّة الحَقيقي، كَما تَنَازل المُؤلِّف المُشارك للرّواية الصَّديق «مُبارك الدّعيلج»؛ عَن حقُوقه المَاليّة والأَدبيّة لصَالِح بَطل الرّواية، ومِن المُنتظر أنْ تَتوفَّر الرّواية؛ في مَعرض الرّياض الدَّولي للكِتَاب الشَّهر المُقبل..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! لَم يَبقَ إلاَّ الإشَادَة؛ بمَن يَمتلكون قُدرة فَائِقة عَلى تَحويل تَعاستهم إلَى شَجَاعة، فحِين تَحلُّ مَصلحة المُجتمع، تَنتفي الأنَانية، لَكن ذَلك لَا يُدركه إلاَّ أصحَاب النّفوس العَظيمة، التي جُبلت عَلى التَّضحيّة وإنكَار الذَّات..!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com