«النمو البائس» immiserizing growth، ويترجم في بعض الكتب العربية بـ«النمو المفقر»، مصطلح اقتصادي ظهر للمرة الأولى في ورقة لبروفيسور الاقتصاد جاديش باغواتي Jagdish Bhagwati في أواخر الستينات من القرن الماضي. والمصطلح الذي لا يتداول ولا يدرس كثيراً في الغرب، يعني دول الخليج كثيراً، والسعودية خصوصاً، فهو يشرح تأثير انخفاض أسعار الصادرات في الدول التي تعتمد صادراتها على سلعة واحدة على النمو الاقتصادي، ومن ثم الرفاه الاجتماعي لتلك الدول. ومع فقد أسعار النفط لما يصل 45 في المئة من قيمتها قبل عام فإن الأثر المباشر سيكون على موازنة الحكومة وعوائدها، إذ ستنخفض بالنسبة نفسها تقريباً. وفي السعودية تشكل عوائد النفط ما يصل 90 في المئة من دخل الحكومة، ولا شك أن انخفاض العوائد سيتبعه تقليل الإنفاق الحكومي بالنسبة نفسها. وحتى وإن لم يتأثر معدل النمو الاقتصادي بشكل واضح خلال الأعوام القريبة المقبلة، إلا أنه سيتأثر دون شك على المدى المتوسط، فما زال إنفاق الحكومة هو اللاعب الرئيس المحرك لمعظم الأنشطة في الاقتصاد. ولاستمرار النمو والحفاظ على استقراره على الأقل، فلا بد تحريك قطاع الخدمات، فهو المؤهل حالياً للعب دور القائد لبقية الأنشطة الاقتصادية في المملكة. وهذه هي النقطة الأولى في المقالة. النقطة الثانية، في السعودية أيضاً قال البنك الدولي هذا الأسبوع إن الحكومة تعكف على خطة لزيادة أسعار الطاقة والوقود وتعزيز الكفاءة في الإيرادات غير النفطية من خلال فرض الرسوم. وبالتأكيد الخطوة منتظرة، ولكن ليس في هذا التوقيت، فبالنظر إلى استخدامات الطاقة المدعومة داخلياً نجدها تذهب لاستخدامين. فبحسب بعض الإحصاءات، يذهب حوالى 60 في المئة لاستهلاك النقل، فيما تذهب 40 في المئة من الطاقة المدعومة لاستهلاك الكهرباء وتحلية المياه. ويعرف الجميع أن الحكومة تعمل على هذا الملف جيداً، وتسعى إلى علاج كبر استهلاك النقل للطاقة المدعومة من خلال بناء شبكات النقل العام في البلد ككل وداخل المدن الكبيرة في المملكة، كما أعلنت الحكومة سابقاً بدء استخدام الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء بداية 2020. ولهذا فإن خبر البنك الدولي سابق لأوانه، إذ لا يتوقع أن تبدأ الحكومة رفع أي دعم للطاقة قبل انتهاء مشاريع النقل العام، وبدء إنتاج الكهرباء بالطاقة النووية، وهي أمور عملت عليها الحكومة جيداً حتى قبل انخفاض عوائد النفط، ولذا فإن مسألة رفع الدعم مسألة وقت لا أكثر. النقطة الثالثة، وهي إن كانت الحكومة تخسر بسبب انخفاض النفط مرة واحدة، فإنها تخسر بسبب انخفاض أسعار البتروكيماويات مرتين. وللشرح، فإنه بالنظر إلى صادرات السعودية نجد أن النفط الخام يمثل 87 في المئة منها، وهو ما يعني أنه مع انخفاض النفط فإن السعودية تفقد 45 في المئة من عائد صادراتها النفطية التي تمثل - كما ذكر - 87 في المئة من إجمالي صادراتها (أي لا تغيير في عائداتها من النفط المستهلك محلياً، والذي هو جزء من الكلفة نتيجة للدعم). بدورها تمثل الصادرات غير النفطية السعودية 13 في المئة بحسب الإحصاءات من إجمالي صادرات المملكة، وتمثل البتروكيماويات ما نسبته 62 في المئة من إجمالي الصادرات غير النفطية (تشكل مابين 7 إلى 8 في المئة من إجمالي الصادرات كلها). وبانخفاض عوائد الصادرات غير النفطية بنسبة 17.16 في المئة خلال كانون الأول (ديسمبر) الماضي بحسب بيان مصلحة الإحصاءات، فإن السعودية خسرت مرتين. خسرت الإعانة التي تقدم لهذه المنتجات بغرض التصدير (لا يوجد رقم منشور من مصدر موثوق عن حجم الدعم)، وخسرت 17.16 في المئة من العائد نتيجة انخفاض أسعار الصادرات البتروكيماوية. ومن النقطة السابقة، فإن الأولى برفع الدعم عنه هو البتروكيماويات، فالدعم بدأ سابقاً بغرض دعم الصناعة، وتأسيس صناعة بتروكيماويات منافسة في المملكة، إلا أن استمراره لـ 30 عاماً ليس له ما يبرره، والأولى وقفه، وترك الصناعة تجد مكانها بين المنافسين في السوق الحرة. نقطة أخرى جديرة بالإشارة، وهو أن استمرار تملك الحكومة وصناديقها لحصة الأسد من شركات البتروكيماويات في البلد قرار غير موفق، فالنتيجة المشاهدة أنه إذا انخفضت عائدات النفط الخام انخفضت تبعاً لها عوائد البتروكيماويات. وهو ما يعني أن الحكومة تخسر مرتين بالتزامن دائماً حين انخفاض أسعار النفط، فتخسر جزءاً من عائد النفط، وجزءاً من عائد البتروكيماويات. وهذا يوجب فتح ملفات استثمارات الحكومة، وكيفية إدارتها، فالأصل أن تستثمر في موارد وأنشطة يتسم عائدها بالثبات، ولا تنخفض كل مرة مع انخفاض النفط. وهذا ضروري أن يعالج في خضم الحديث حالياً عن تنويع مصادر الدخل للبحث عن الاستثمار في أنشطة لا ترتبط أسعارها بأسعار النفط، فيكفي أن تخسر الحكومة جزءاً من مواردها من سلعة واحدة هي النفط الخام. خلاصة القول، أنه يجب وقف الدعم حالياً عن البتروكيماويات، وأن تنقل الحكومة استثماراتها نحو أنشطة لا ترتبط بالنفط ارتفاعاً وهبوطاً، وأن يتم التعجيل ببناء شبكات النقل العام بين المدن وفي داخلها، وأن يعمل بسرعة على استغلال الطاقة النووية والشمسية، وساعتها يمكن رفع دعم الطاقة داخلياً، كما أن الحكومة ستكون أقرب لوصف الكفاءة في إدارة الموارد.