يرى هيرفيه لادسو، رئيس قسم عمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة، إن على قوات حفظ السلام استخدام المزيد من التكنولوجيا الحديثة مثل الطائرات المسيّرة، من أجل تحسين فعالية أنشطتها وحماية جنودها. كما يعتبر دور هذه الطائرات حيوياً في إيصال المساعدات الإنسانية. ومن جهة ثالثة، يُمكن للطائرات المسيّرة أن تعوض عن بعض المراقبين العسكريين على الأرض، على الرغم من أنها لا يُمكن أن تغدو بديلاً عن مراقبين عسكريين يراقبون وقف إطلاق النار، أو يحذرون القوافل الإنسانية من هجوم وشيك، أو يمارسون مهام ميدانية شائكة. وفي الوقت الراهن، تمتلك بعثة الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية عدداً من الطائرات المسيّرة، التي تعمل على مراقبة وتتبع حركة المجموعات المسلحة في شرق البلاد. تختلف عمليات حفظ السلام عن عمليات فرض السلام، فهذه الأخيرة تشمل نشر القوات في منطقة النزاع، خلافاً لرغبة الطرفين المتنازعين، لتجبرهما على وقف الأعمال الحربية. أما قوات حفظ السلام فتنتشر للفصل بين الطرفين المتنازعين برغبتهما وموافقتهما.. وفي 11 حزيران يونيو 2014، أعلن الأمين للأمم المتحدة، بان كي مون، عن مراجعة جديدة حول واقع ومستقبل عمليات حفظ السلام الأممية، هي الأولى من نوعها منذ العام 2000. وهناك فعلياً برنامج أممي واسع النطاق لتطوير دور قوات حفظ السلام، اعتمد على تقرير لخبراء تابعين للأمم المتحدة، كان من بين توصياته استخدام الطائرات المسيّرة. كذلك، أوصى التقرير بإنشاء مهام تقنية خاصة مكلفة بإبلاغ مجلس الأمن عن مناطق الأزمات، عبر صوّر الأقمار الصناعية، ووسائل حديثة أخرى لجمع البيانات في الوقت المناسب. وعلى الرغم من ذلك، يخشى أن تصطدم هذه التوصيات بتحفظات من جانب الدول التي تستضيف هذه البعثات، فقد ترى فيها تدخلاً من الأمم المتحدة في شؤونها الداخلية، كما لا تنظر إليها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بعين الرضا. ومن ناحيته، أصدر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام تقريراً موسّعاً هذا العام حول التحديات التي تواجه قوات حفظ السلام، وسبل تطوير عملها. وقد استند هذا التقرير إلى ورشة عمل جرى تنظيمها في نيودلهي (نيسان إبريل 2012)، وندوات عقد في كل من بكين (نيسان إبريل 2013) وموسكو (تشرين الثاني نوفمبر 2013)، ومقابلات عبر سكايب مع مندوبين من البرازيل وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وتركيا (بين أيلول سبتمبر وتشرين ثاني نوفمبر 2014). ومداخلات أخرى مع باحثين من أوروبا وأميركا الشمالية، وذلك إضافة دراسة مكتبية، تضمنت محاور إحصائية، وسياقات تحليل ونمذجة. وفي الحقيقة، فإن الكثير من بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام غير مجهزة تقنياً بشكل صحيح وتنقص جنودها الكثير من وسائل الاشتباك والمراقبة. وتقلق بعض الدول التي تشارك في بعثات حفظ السلام على أمن جنودها، الذين ينتشرون في أوضاع عنف وفوضى. كذلك، فإن عدداً من الدول المساهمة في قوات حفظ السلام تتحفظ الآن على إرسال جنودها إلى مناطق الأزمات الخطيرة، وخاصة بعد الحوادث الإرهابية وعمليات الخطف التي تعرضت لها قوات "الأندوف" الأممية في هضبة الجولان السورية المحتلة، من قبل عناصر جبهة النصرة. وفي ضوء التدهور المستمر في ظروف عمل قوات حفظ السلام الأممية، شهد العام 2013 وحده موت مائة وستة عناصر من هذه القوات خلال قيامهم بمهامهم. ويشعر مجلس الأمن الدولي بالإحباط حيال قدرته على التعامل مع الصراعات المسلحة، التي يتزايد فيه دور وتأثير المجموعات الإرهابية، كما هو الحال في الجولان السوري المحتل. وعلى الرغم من ذلك، هناك صراعات واضحة في المصالح بين الدول الكبرى، من المرجح أن تؤثر سلباً على عمليات حفظ السلام وإدارة الصراع، بما في ذلك الوضع في الجولان. وفي ربيع العام 2014، كان إجمالي قوات حفظ السلام الأممية يناهز 118 ألفاً، موزعين على 16 مهمة حول العالم. ويضاف إلى هذا العدد الآن الجنود الذين بدأوا العمل ضمن مهمة جديدة في كل من جمهورية أفريقيا الوسطى ودولة جنوب السودان. ويُرجح أن يؤدي انسحاب قوات عسكرية غربية من أفغانستان إلى زيادة مساهمة الاتحاد الأوروبي ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مهام حفظ السلام في مناطق مختلفة من العالم. وفي منتصف العقد الماضي، كان الاتحاد الأوروبي يساهم بنحو عشرة في المائة من القوات والشرطة المدنية التي تم نشرها في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام، بينما تساهم الولايات المتحدة بنسبة واحد في المائة. وبعد قرار الاتحاد الأوروبي في العام 2006 رفع مساهمته في قوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان إلى نحو 7000 عنصر، بدت أوروبا وقد أخذت دور الريادة في واحدة من أكثر العمليات الأممية حساسية. وتُعرّف عمليات حفظ السلام على أنها وسيلة لمساعدة البلدان التي يمزقها صراع على خلق ظروف لتحقيق السلام المستدام. فأفراد هذه العمليات، من جنود وضباط عسكريين وضباط شرطة مدنية، وموظفين مدنيين، يقومون برصد ومراقبة عمليات السلام، التي تنشأ عن حالات ما بعد الصراع، ويساعدون المحاربين السابقين على تنفيذ اتفاقيات السلام التي وقعوا عليها. وتتمثل هذه المساعدة في صوّر مختلفة، لا سيما تدابير بناء الثقة، وترتيبات تقاسم السلطة ودعم الانتخابات، وتعزيز سيادة القانون، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتعتبر عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام إحدى الأدوات الفريدة المتاحة للمجتمع الدولي للمساعدة على حل النزاعات ومنع الحروب الداخلية. وهي أيضاً مجدية من حيث التكاليف، مقارنة بتكاليف النزاعات التي تحدث خسائر في الأرواح، وتتسبب في انهيار اقتصاد الدول، وتدمير بنيتها التحتية. وتشارك قوات حفظ السلام في عمليات الأمم المتحدة بموجب شروط، تشكل موضوع مفاوضات دقيقة بين الحكومات، وتبقى خاضعة لسلطتها. ويجري نشر القوات وقادتها بوصفها وحدات وطنية ترفع التقارير حول مسائل العمليات إلى قائد قوة البعثة، ومن خلاله إلى الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة. ويبقى إرسال قوات حفظ السلام أو سحبها من صلاحية الحكومة التي تطوّعت بها، كما أن ضباط الشرطة المدنية تساهم بهم أيضاً الدول الأعضاء، وهم يعملون على الأساس نفسه، وكذلك المراقبون العسكريون. وينص ميثاق الأمم المتحدة على أن يتعهد جميع أعضائها، في سبيل المساهمة في حفظ السلام والأمن الدوليين، بأن يضعوا بتصرف مجلس الأمن ما يلزم من القوات المسلحة والتسهيلات الضرورية. وتختلف عمليات حفظ السلام عن عمليات فرض السلام، فهذه الأخيرة تشمل نشر القوات في منطقة النزاع، خلافاً لرغبة الطرفين المتنازعين، لتجبرهما على وقف الأعمال الحربية. أما قوات حفظ السلام فتنتشر للفصل بين الطرفين المتنازعين برغبتهما وموافقتهما. وفي حال عدم موافقة أحد الطرفين على تواجدها، فلن تجري عمليات حفظ السلام. وتتعقد مهمة قوات حفظ السلام في حالة غياب وقف إطلاق نار رسمي، كما هو الحال في جنوب لبنان. وفي هذه الحالة، تواجه الأطراف الكثير من الخروقات، وربما على نحو يومي، وقد تكون هذه الخروقات برية أو جوية. ومنذ العام 1948، ساهمت في عمليات حفظ السلام قرابة 140 دولة. ولا تتوافر سجلات مفصلة بجميع الموظفين الذين خدموا في بعثات حفظ السلام منذ ذلك العام، إنما يقدر عدد الجنود وضباط الشرطة والمدنيين الذين خدموا راية الأمم المتحدة بنحو مليون شخص. وعلى الرغم من هذا العدد الكبير من البلدان المساهمة، لازالت تنهض بالعبء الأكبر مجموعة أساسية من الدول النامية، فقد كانت الدول العشرة الرئيسية المساهمة حتى مطلع العقد الماضي هي: باكستان وبنغلاديش ونيجيريا وغانا والهند وإثيوبيا وجنوب أفريقيا وأوروغواي والأردن وكينيا. ويتقاضى جنود حفظ السلام أتعابهم من حكوماتهم، وفقاً لرتبهم الوطنية وجدول المرتبات. وتسدد الأمم المتحدة التكاليف إلى البلدان التي تتطوع بأفراد من القوات النظامية للعمل في بعثات حفظ السلام، بمعدل موحد يكاد يربو على 1000 دولار شهرياً للجندي الواحد. كما تسدد للبلدان تكاليف المعدات. وإضافة إلى ما سبق ذكره حول ضرورة تزويد قوات حفظ السلام الأممية بالتكنولوجيا والمعدات الحديثة اللازمة لمزاولتها مهامها العسكرية والمدنية المختلفة، فإن الدرس الأهم الذي يمكننا الخروج به اليوم، بعد عقود على عمل هذه القوات، هو ضرورة حصول وقت كاف لبناء السلام من بعد رماد الحروب، وأن يتحلى الجميع بنفس طويل، وألا يتسرب اليأس والوهن إلى النفوس. ولا بد من جهة ثانية من تقديم التشخيص الصحيح للنزاعات القائمة، والظروف السياسية والاجتماعية المحيطة بها، وطبيعة وحجم القوى المؤثرة، والدينامية التي يتحرك من خلالها النزاع. ويجب على صعيد ثالث أن يتفق مجلس الأمن الدولي على ولاية واضحة المعالم، وقواعد اشتباك محددة لا لبس فيها لقوات حفظ السلام، وأن تكون الولاية قابلة للتحقيق، وألا تُمثل عامل استفزاز لجهات بعينها، أو للشعور الوطني العام. ولا بد على صعيد رابع من أن يتم نشر القوات الدولية بالسرعة المطلوبة وضمن المدة المحددة، وبالكيفية التي جرى التوافق عليه. وأخيراً، يجب أن تتوفر لدى قوات حفظ السلام الإرادة اللازمة للعمل مع المؤسسات المحلية، الرسمية منها والخاصة، وكذلك مع المجتمع الأهلي، حتى تغدو قادرة على تحمل مسؤولياتها على الوجه الأمثل، وتساهم في إضفاء الشعور العام بالأمن لدى أفراد المجتمع.