×
محافظة الرياض

بالصور:في شوارع الرياض فتيات يلصقن منشورات تحمل عبارة “الفن حلال”

صورة الخبر

فكّر كما لو كنت جبلاً. تترّد العبارة على ألسنة كثير من نشطاء البيئة، كي تعبّر عن رغبتهم في أن يولي البشر اهتماماً أكبر بالبيئة في آفاقها الواسعة، بل باعتبارها الحاضنة التي يعيش فيها الجنس البشري. هناك مثل عربي شائع يتّصل بالعلاقة مع الجبل أيضاً. يقول ذلك المثل: «تمخّض الجبل فولد فأراً». والأرجح أن كثيرين سمعوا ذلك المثل في المدرسة الابتدائيّة، ربما قبل أن يدركوا معاني كلماته، ولعل أكثر منهم هم أولئك الذين يسمعون ذلك المثل على شاشات التلفزة والكومبيوتر. إذ يتكرّر ذلك المثل كثيراً على الألسنة. ولا يعني غالباً سوى الازدراء والاستهزاء والتهكّم. أرض مرتجّة ومثيرة في المقابل، يحمل المثل أوجهاً متنوّعة، بعضها ربما يكون غريباً بالنسبة الى الحس العادي العام، خصوصاً عندما يكون متّصلاً بالعلوم. الأرجح أن لذلك المثل وجهاً آخر، إذا نظر إليه من زاوية عمليّة. ولعله يحضر كثيراً على الإنترنت، لكن بطرق غير مباشرة، كما يحدث إذا وُضعت كلمة «بيغ - بانغ» في مستطيل البحث على محرك «غوغل»، مع إجراء البحث في قسم الصور داخل ذلك المحرك الشهير. لنهجر الإنترنت قليلاً. لنطلق عنان الخيال، لكن بتروٍّ أيضاً. إذا وقفت على سفح جبل ضخم أصمّ من البازلت البركاني الصلد. ليس في باطنه سوى صخور فائقة القسوة. حسناً. تخيّل أنك رأيت الجبل الصلد يهتزّ، وأحسست بالأرض ترتجّ تحت قدميك، بل تميد. صرت بالكاد قادراً على أن تسند نفسك، ربما بالاتكاء إلى جذع شجرة لتراقب المشهد، لكن الشجرة نفسها تهتزّ وتترنّح. ثم يهدأ الجبل رويداً ورويداً. ومن صدعٍ صغيرٍ فيه، يخرج فأر. أليست معجزة؟ من أين جاءت كل هذه البيولوجيا وتراكيبها الهائلة التعقيد، إذا كان منطلقها هو الصخر البازلت الصلد الذي لا حياة فيه على الإطلاق؟ لنذهب إلى مكان آخر. لنتأمل قليلاً في بعض شرائح الـ «باور - بوينت» عن تاريخ الـ «بيغ- بانغ». في عدد من تلك الشرائح، تشكّل الكون، وفق أفضل معرفة علميّة متوافرة حاضراً، بعد «الانفجار الكبير» («بيغ- بانغ» Big Bang). عند تلك اللحظة، قبل قرابة 13.8 بليون سنة، لم يكن هناك سوى نقطة لا متناهية في الصغر، بل تكاد تكون صفراً. تحتوي هذه النقطة طاقة هائلة لا نهائية، تفوق الخيال، مع كل ما يرافقها من حرارة لاهبة، تفوق حرارة ملايين الشموس مجتمعة ومكثّفة ومضغوطة. عند لحظة الانفجار، لا شيء سوى تدفّق الطاقة والحرارة. لا مادة. لا ذرّة. لا إلكترون. لا شيء سوى الطاقة والحرارة. بعد هنيهة (بمقاييس نسبيّة طبعاً، لأن الأمر يستغرق ملايين السنوات)، تبرد الحرارة قليلاً. لم تظهر الذرّة بعد، لكن بعض المُكوّنات الأولى التي يفترض أنها سوف تشكّل الأجزاء المعروفة للذرة مثل الإلكترون أو الكوارك، ربما شرعت في التكوّن. برد الـ «بيغ- بانغ» قليلاً، لكن لم تظهر سوى مُكوّنات أوليّة ربما تمهّد لظهور ما نعرفه عن المكوّنات الأولية للذرة، مثل الكوارك أو ربما الأوتار الذرّية المهتزة، وبالطبع جسيم «بوزون هيغز» الذي تكرّر ذكرّه إعلاميّاً قبل سنتين، لأن مكتشفه نال جائزة «نوبل» عنه. ما لا يدّعيه العلم في سياق نظرية الـ «بيغ- بانغ»، يفترض أن جسيم «بوزون هيغز» Boson Higgs شكل قاسماً مشتركاً مهّد لظهور المُكوّنات الأولى للذرة. وباقتباس من لغة العلم، من المستطاع أيضاً وصف تلك النقطة بأنها «لحظة بداية فيزياء الذرّات». وشيئاً فشيئاً، بدأت المكوّنات الأولية في التلاقي والتجمع. ظهرت الذرّة. ثم تجمّعت الذرّات، فبدأت المواد في الظهور. وبلغة العلم أيضاً، من الممكن وصف ذلك بأنه «لحظة ولادة الكيمياء». بعد ذلك، تشكّلت غيوم ذريّة كثيفة، تولّدت فيها الشموس والكواكب والنجوم. عند تلك النقطة، تثور إشكاليّة علميّة ضخمة. فحتى وفق مسار نظرية «الانفجار الكبير»، وأيضاً مع افتراض أن العلم بات يعرف كل شيء بدقّة عن تاريخ تشكّل الكون (هو افتراض لا يصح علميّاً، أقلّه لأن العلم لا يدّعي ذلك)، لا شيء يوحي بالمعضلة الكبرى التي لا يجد العلم لها حلاً مناسباً لها لحد الآن، وهي البيولوجيا. بعبارة اخرى، تمثّل البيولوجيا السؤال الأشد غموضاً في المتاهة اللامتناهيّة لتاريخ الكون والإنسان. بقول آخر، حتى لو جرى التسليم بمكوّنات النظرية العلمية الأكثر شيوعاً في الوقت الحاضر («الانفجار الكبير» المرتكزة أساساً إلى نظريات آينشتاين)، لا شيء في ذلك ليعين على فهم أن يؤدي ذلك المسار إلى وجود أشياء بيولوجية حيّة، سواء كانت فيروساً أم فأراً! ليس من المستبعد أن تبدو الكلمات السابقة كأنها تحاول الدخول إلى نقاش فلسفي أو ديني أو ثقافي حول موضوع الحياة كظاهرة كونيّة. في المقابل، مع قدر كبير من التحفّظ أيضاً، يصعب عدم التشديد على أن الأسئلة الكبيرة عن الحياة وظهورها في سياق النظريات العلميّة حاضراً، هي تلك التي تركّز على «كيف» و»عبر أي مسار» و»ما هي الطريقة أو الطُرُق»، وليس على الأسئلة العويصة فلسفياً مثل «من» و»لماذا» وغيرهما. بالاختصار، إذا قُدّر لقارئ أن يعيش تجربة مذهلة كأن يشهد جبلاً يرتجّ ويتمخّض عن فأر، فليفرح. الأرجح أن ما شاهده أقرب إلى المعجزة. وإذا رُميتَ من أحد بأن كلامك أو أفعالك هي أقرب إلى ولادة فأر من جبل، فبإمكانك العودة إليه لتشكره على هذا الفخر الذي أسبغه عليك. هل يتوقف بعضهم عن استخدام عبارة «تمخّض الجبل فولد فأراً»، على سبيل الازدراء والتهكّم؟