×
محافظة الباحة

البحث عن مواطن مفقود بالباحة

صورة الخبر

أثارت تصريحات ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني أمام لجنة برلمانية، أنه إذا ما انهار اتفاق الهدنة الراهن بين القوات الموالية لروسيا والحكومة الأوكرانية، فإن لندن ستؤيد طرد روسيا من نظام التعاملات المالية العالمية والمعروف اختصارا بـ"سويفت" بين المصارف، أثارت جدلا كبيرا بشأن تأثيرها على النظام المصرفي الروسي، بل المنظومة المالية لروسيا ككل. واعتبر بعضهم تصريحات كاميرون إذا ما نفذت بمثابة إعلان حرب مالية عالمية على موسكو، وأن آخرين طالبوا بمزيد من الدراسات والاستشارات مع الحكومة الأمريكية وبلدان الاتحاد الأوروبي للتعرف بشكل دقيق على ردود الفعل الروسية، فقد حذرت موسكو الشهر الماضي بأنها سترد بقوة وعنف إذا تم استبعادها من نظام "سويفت"، وهو ما يعطي مؤشرا على حجم القلق الذي ينتاب القيادات المالية في روسيا على حجم الكارثة التي يمكن أن تحيق بنظامهم المصرفي إذا ما قررت البلدان الغربية المضي قدما في هذا الاتجاه. ولكن ما هو نظام "سويفت"، ولماذا يحظى بهذه الأهمية والخطورة المالية والدولية في آن واحد، الدكتورة سوزان سكوت أمريكية الجنسية تقوم حاليا بتدريس التجارة الدولية في جامعة كمبريدج، ومؤلفة كتاب عن نظام "سويفت" وأهميته، تجيب لـ "الاقتصادية" على هذا السؤال، بأنه خلال الأربعين عاما الماضية أسهم نظام "سويفت" في دعم قطاع الخدمات المالية عالميا، باعتباره منصة اتصالات بين مصارف العالم المختلفة، واستخدم في ذلك معايير محددة، ونجح في إنهاء عصر البرقيات والتلكس لإجراء المدفوعات الدولية، وأصبح الآن جزءا أساسيا من البنية التحتية العالمية للخدمات المالية نتيجة نجاحه في ربط المصارف في جميع أنحاء العالم بعضها ببعض، بهدف تبادل الرسائل والمعلومات لضمان تلبية احتياجات العملاء. وحول خطورة هذا النظام وأهميته، تقول سكوت، إنه لمعرفة تأثيره يجب أن نتذكر حجم الضرر الذي تعرض له النظام المصرفي والمالي الإيراني نتيجة إخراج طهران من هذا النظام، والأمر باختصار أن الخروج من منظومة سويفت يعني عمليا قطع الصلة بين مصارف الدولة المفروض عليها العقوبة والنظام المالي العالمي، ما يجعل التحويلات من وإلى تلك الدولة شبه مستحيلة عبر الوسائل القانونية والشرعية. ومع هذا فإن بعض الاقتصاديين البريطانيين يعتقدون أن لندن لا تستطيع المضي وحيدة في طرد موسكو من منظومة سويفت، وأن الأمر يتطلب تعاونا أوروبيا وغطاء أمريكيا وهو ما يفتح الباب على مصراعيه للتساؤل حول ما الذي ستقدمه لندن لأوروبا لإقناعها بطرد موسكو من منظومة سويفت، وما الذي ستطلبه أوروبا من لندن للقبول بدعوتها. الدكتور بوب ماك كول أستاذ النظم المصرفية بجامعة ليدز يعد أنه إذا نجحت بريطانيا في إقناع ألمانيا وفرنسا، فإن دعوة كاميرون بطرد موسكو من نظام سويفت يمكن أن تلقى قبولا دوليا، أما شروط هذا الاقتناع فإن الدكتور بوب يختصرها لـ"الاقتصادية" قائلا: إن على الحكومة البريطانية أن تغير موقفها السلبي تجاه الاتحاد الأوروبي، فإذا قبلت لندن بذلك فأعتقد أن ألمانيا وفرنسا سيساندان الدعوة البريطانية. ويعتقد المختصون أن طرد روسيا من منظومة سويفت سيؤدي إلى عزل النظام المصرفي الروسي عن النظام المالي العالمي، وهو ما سيضع قطاعات اقتصادية روسية أساسية في وضع أقرب إلى الشلل التام. ويقول لـ"الاقتصادية"، آرثر باكيستر مدير المعهد الدولي للأبحاث الاقتصادية، إن النظام المصرفي الروسي يعاني بالفعل من العقوبات الاقتصادية المفروضة دوليا على موسكو، وإذا تم طردها من منظومة سويفت فإن القطاع النفطي وتحديدا الشركات الروسية العملاقة ستصاب بعجز تام، حتى إذا أرادت نظيرتها الغربية أن تستثمر معها فإن ذلك سيكون شبه مستحيل، ولن تستطيع المصارف الروسية القيام بالتحويلات المالية المطلوبة لشراء معدات تكنولوجية جديدة. وأضاف باكيستر أن القطاع الآخر الذي سيتضرر وربما يتوقف تماما هو الاستثمارات الدولية، فأغلب الظن أن طرد روسيا من منظومة سويفت سيكون بداية فرار جماعي للمستثمرين الدوليين من الاقتصاد الروسي، والأشهر الأخيرة شهدت خروج مليارات الدولارات من روسيا نتيجة انسحاب رؤوس الأموال الأجنبية سواء بسبب العقوبات أو انهيار قيمة الروبل، وقد بلغت قيمة رؤوس الأموال الأجنبية التي غادرت روسيا العام الماضي 150 مليار دولار أمريكي، وإذا صعدت أوروبا الغربية وأمريكا من عقوباتها، فإن معدل انسحاب المستثمرين الأجانب من روسيا سيرتفع، ولن يكون بمقدار موسكو جذب مستثمرين جدد لوجود صعوبة شديدة في تحويل استثماراتهم من وإلى روسيا. ويعتقد البعض أن روسيا تتحسب الآن لتلك الخطوة الدولية بفتح قنوات مالية سرية في عدد من بلدان الاتحاد الأوروبي، بحيث يمكن الاعتماد عليها إذا ما صعدت البلدان الغربية من حصارها الاقتصادي لها. ويعد البعض أن الاستثمارات الروسية الضخمة في قبرص قد تمثل "حصان طروادة" بحيث يمكن للقيادة الروسية استخدامها في حالة تضيق الخناق عليها، ومع هذا فإن المختصين يعتقدون أن تلك القنوات المالية التي تمثلها المصارف القبرصية أو حتى الإيرانية لن تساعد موسكو كثيرا. وأوضح لـ "الاقتصادية"، جوردن فيتش المختص في مجال مكافحة تهريب الأموال، أنه عندما تتعرض الدول لحصار اقتصادي فإنها تحاول غالبا إيجاد منافذ عن طريقة رشوة المسؤولين في بلدان أخرى مجاورة لها لغض الطرف عن التحويلات المالية التي تتم منها وإليها، فإيران على سبيل المثال كانت تتحايل على الحصار الدولي عبر استخدام قنوات مالية في دول مجاورة لها مثل تركيا، وروسيا يمكن أن تعول على مساعدة طهران لها سواء مباشرة أو عن طريق حزب الله الذي يتمتع بشبكة قوية من رجال الأعمال في أوروبا وأستراليا، كما يمكن لموسكو اللجوء إلى المافيا الروسية التي تهيمن على الاقتصاد القبرصي. ولكن إلى أي مدى يمكن لهذا الأسلوب أن يسهم في تغلب روسيا على الصعوبات التي ستواجهها إذا ما تم طردها من منظومة سويفت يجيب جوردن فيتش قائلا، إن المشكلة أن هذه القنوات لكونها سرية وفي أغلب الأحيان غير شرعية يتعرض أصحابها إلى عقوبات بالسجن لسنوات طويلة إذا ما افتضح أمرهم، فإن تكلفة اللجوء إليها تكون مرتفعة وهو ما يضعف الجدوى الاقتصادية لها. وكانت روسيا قد سعت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي إلى التغلب على التهديدات بطردها من منظومة سويفت، عبر إنشاء منظومة داخلية مماثلة خاصة بها لخفض اعتمادها على الخدمات المالية الغربية، إلا أنه من الصعب توقع نجاح هذا التوجه في ظل الصعوبات التي تعانيها المصارف الروسية المحلية حاليا. وآخر البيانات المتاحة تشير إلى أن ديون المصارف الروسية بلغت 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي؛ أي 192 مليار دولار، ويفترض أن تسدد المصارف والشركات الروسية هذا العام 130 مليار دولار ديونا متراكمة عليها، وهم ما يشكك عديد من المختصين المصرفيين في قدرة تلك المصارف أو الشركات على الالتزام بها خاصة مع انهيار الروبل وانخفاض أسعار النفط.