الشكوى المستمرة من الجهاز القضائي حول حجم المعاملات والقضايا المنظورة والمتداولة في السعودية كلها؛ فهذا الحجم الزائد يشكّل ضغطاً كبيراً، ويسبب تأخيراً أكبر؛ ما يجعل حجم السلبيات في ازدياد مرافقة لحجم الانتقادات وعدم الرضا. وفي حال يراد معالجة الأمر فإن البنية التحتية تشكّل عائقاً أولاً، والبنى البشرية من الكوادر العاملة والقضاة تشكّل عائقاً ثانياً ومهماً في الوقت نفسه. ليس المهم كم تخرّج من القضاة إنما المهم النوعية والقدرة والكفاءة؛ وبالتالي فإن فتح هذا الباب يلزمه حذر شديد، ولا خلاف على الآلية المتبعة حالياً. أما البنى التحتية فهي أيضاً عامل ليس سهلاً ومكلفاً، وفي الوقت نفسه قد لا يكون أساسياً في إنهاء حجم الضغط. إذن، ما الحل الجذري لذلك؟ الحل يكمن في السير في أكثر من اتجاه، منها طبعاً البنى التحتية والقوى العاملة، لكن يلزم أيضاً بشكل مهم جداً تخفيض حجم القضايا والمعاملات المنظورة من حيث الكم أو النوع. الكم الهائل من القضايا المسجلة أمرٌ خطير جداً، ومرده إلى أمرين أساسين: الأول - وهو ما يهمنا الآن - هو أن تسجيل الدعوى والقضية لدينا مجاناً؛ وبالتالي فإن تحري الدقة والمصداقية والاكتمال الشرعي أو القانوني للدعوى لا يكون مهماً لدى مسجل الدعوى؛ لأنه لا يخسر شيئاً في تسجيل دعوته وإن لم تكن مكتملة. أما الأمر الثاني فهو الإفصاح عن نوعيات من القضايا والحالات المبتوت فيها؛ لتكون مقياساً يمكن اعتماده لدى المدعين قبل تسجيلهم للدعوى أو المشتكى عليهم قبل ذهابهم إلى المحكمة. الحديث يطول في باب الشكاوى التي يمكن التخلص منها، التي منها الكيدية، أو بسبب جهل أو طمع.. ولو قامت وزارة العدل بفرض رسوم على كل قضية يود صاحبها أن يسجلها دعوى فإن المنطق يقول إن حجم القضايا المسجلة فعلياً سينخفض إلى النصف، وهذا ما يؤكده واقع نتائج مثل هذه القضايا المبتوت فيها مسبقاً؛ لأنه يوجد لدينا من هم متفرغون لتسجيل الدعاوى والقضايا بحجة أو غير حجة من باب أنا لا أخسر شيئاً؛ أسجل الدعوى وخلها تأخذ وقتها، لكن حين تُفرض عليه رسوم فإنه سيتردد كثيراً قبل أن يسجلها، ويتأكد من أنها مبنية بشكل سليم شرعياً وقانونياً.. وبطبيعة الحال، فإنه في حالة كسب الدعوى فإن المشتكى عليه مكلَّف بإعادة هذه الرسوم إلى المشتكي. ولا ضير في أن تكون الرسوم عالية، تصل إلى ألف ريال للقضية الواحدة، بل تزيد في بعض القضايا المتعلقة بالحقوق والمطالبات المالية والقضايا المتعلقة بالتعويضات، وهنا يلزم أيضاً تفعيل عامل الضرر المعنوي والمادي المتحقق من وراء تسجيل دعوى كيدية بشكل متعمد، ويُترك تقديرها للقضاء طبعاً.. فكل دعوى كيدية تسجل أو غير منطقية في تسجيلها فإنها تؤدي إلى تأخير إنهاء دعوى مكتملة، وتأخير في الحقوق والواجبات.. الأمر ليس سهلاً، وليس باباً يفتح لمن هب ودب. حين تسمع وترى بعض القضايا المسجلة على أسس لا منطقية ولا حقيقية فإنك تستدل منها بأنها مهزلة يترتب عليها نتائج سلبية في التأخير أو حتى في التأثير على القدرة البشرية لتعاملات القضاة أنفسهم، والضغط الكبير الواقع عليهم. الأمر يحتاج إلى إعادة نظر وتصرف سريع من معالي وزير العدل والقائمين على الأمر. المطلوب وضع رسوم على القضايا، وتخفيف القضايا الكيدية، وتفعيل دور المدعي العام الذي من واجبه التأكد من صحة الدعوى.