يمثل موسم الحج تجمعاً خصباً لانتشار الأمراض والأوبئة، بسبب الازدحام، وتوافد المسلمين من جميع أنحاء العالم على مكة المكرمة. ومصادفة موسم حج هذا العام مع أشهر الخريف، التي تنشط فيها أمراض البرد، يزيد احتمال انتشار الأمراض، لذا أخذت وزارة الصحة، بالتعاون مع الوزارات الأخرى في المملكة، التدابير اللازمة مبكراً لتفادي المشكلات الصحية، خاصة فيما يتعلق بفيروس كورونا. ونظّمت وزارة الصحة الشهر الماضي المؤتمر العالمي لطب الحشود، في العاصمة الرياض، لمدة أسبوع، وشارك فيه أكثر من ألف مسؤول صحي من منظمة الصحة العالمية، والمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها ومختلف الحكومات من أنحاء العالم. ونوقشت فيه مخاطر انتقال الإصابة بفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وعرف بالجهود التي بذلت وستقدم لأجل حماية الحجاج من الإصابة بالفيروس. ولأن الفيروسات تصيب عادة ذوي المناعة المنخفضة، دعت وزارة الصحة كبار السن والحوامل والأطفال والمصابين بأمراض مزمنة، وخصوصاً القلب والسكري أو الذين يعانون من مشاكلات في التنفس أو الكلى وضعف المناعة من تجنب الحج في هذا العام حفاظاً على صحتهم. كما أكدت الوزارة أن هناك خططاً للتعامل مع فيروس كورونا خلال موسم الحج عبر تطبيق نظام الترصد الوبائي، ومناظرة القادمين لأداء المناسك عبر المنافذ، عن طريق أخذ عينات من المرضى الذين تنطبق عليهم أعراض تعريف الحالة، حسب تعريف منظمة الصحة العالمية واللوائح الإرشادية للجنة العلمية الوطنية. وإضافة إلى ذلك، سيتم التأكد من مدى تطبيق القادمين للاشتراطات الصحية، بما فيها التأكد من حصولهم على التطعيمات المطلوبة. وشددت الوزارة على أن لديها الاستعداد الكافي للحد من وصول الفيروس أو انتقاله من الحجاج وإليهم. وجهزت الوزارة فريقاً يضم 600 موظف في مطار الملك عبدالعزيز يقدمون الخدمات العلاجية والوقائية بتنسيق مع الجهات المشاركة في الحج كافة. ولحماية العاملين في مطار جدة، فقد ألزموا باستخدام كمامات للوقاية من الفيروسات عموماً، التي تنتشر بسبب التخالط مع المصابين، ومنها فيروس كورونا، الذي أوقع أكثر من خمسين ضحية في العالم معظمهم في المملكة حيث ظهر الفيروس للمرة الأولى. وعلى المناطق الحدودية تم تجهيز مختبرين لأجراء فحوص خاصة للكشف عن الفيروس، والاستعانة بنقاط مراقبة صحية قائمة على الحدود (أنشئت لضمان تطعيم الحجاج ضد الالتهاب السحائي والحمّى الصفراء)، لترقب ظهور أي حالات إصابة بالمرض. كما أن هناك تعاوناً مع السلطات الصحية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، التي يرسل كثير منها بالفعل فرقاً لتقديم الدعم الصحي خلال موسم الحج، لرفع الوعي بالفيروس بين الحجاج، مع التركيز على تذكير الناس بما ينبغي القيام به إذا عادوا من المملكة ثم شعروا بأعراض المرض. وتعد إمكانية الخلط بسهولة بين الأعراض المبكرة لظهور فيروس كورونا وبين أعراض نزلات البرد المعتادة، إحدى الصعوبات المتعلقة بهذا الفيروس. وما لم يبادر الأطباء بإجراء اختبارات خصيصاً للتأكد من الإصابة به، فقد يكون من الصعب التعرف عليه. وثمة تحد آخر، فعلى الرغم من البحوث التي تُجرى منذ أكثر من سنة، لا يزال العلماء غير متأكدين من مصدر الفيروس وطرق العدوى به. لكن الأمر المطمئن في هذا، أن المملكة نجحت في تجاوز اختبارات سابقة من هذا القبيل، خلال السنوات العشر الماضية، أولها «سارز» في عام 2003م، و«أنفلونزا الخنازير» عام 2009م، إلا أن الفرق هذه المرة يكمن في أن المملكة هي بؤرة انتشار الفيروس، التي نأمل، بإذن من الله سبحانه وتعالى، أن تنجح الاحتياطات التي قدمت لحماية الحجاج من العدوى أو من المضاعفات.