×
محافظة الجوف

محافظ طبرجل يستقبل المهنئين بالعيد ويزور المرضى

صورة الخبر

لقد أخذت الدولة الإسلامية، بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، بعدا جديدا خلال خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، التي دامت عشر سنوات، حقق فيها إنجازاته السياسية والإدارية والعسكرية.. العظيمة في بناء الدولة الإسلامية واسعة الأرجاء، وبذلك أثبت بحق أنه عبقري ليس على مستوى العالم الإسلامي فقط وإنما على المستوى العالمي أيضا. وهذا شيء نفخر به كمسلمين، فقد أعز الله الإسلام بعمر. لقد قام عمر بتنظيم سياسي وإداري فعال أبقى الدولة الإسلامية المترامية الأطراف متماسكة وموحدة، فأمكنه ذلك من بناء دولة حديثة من بنات فكره وعلى ضوء القيم الإسلامية. في بداية خلافته خطب عمر بالناس موضحا نهجه في الحكم، والمبادئ التي ترسم سياسته في إدارة شؤون الدولة الإسلامية. ففي خطبته حدد مسؤولياته تجاه الرعية وأمنها وأمن البلاد، والمحافظة على دولة الإسلام وسلامة أراضيها، والتعامل مع ذلك بحق وبموجب الإسلام، ووجوب اتباع الطريق الصحيح في التعامل مع هذه الأمور. وقد أوضح أنه لا يقبل الظلم أو التعدي على أحد، وأن الظالم والمعتدي يجب أن يذعن للحق. وذكر أنه مع شدته على أهل الظلم والتعدي على المسلمين، فإنه لين لأهل السلامة والدين والقسط، بل ويضع خده على الأرض لأهل العفاف والكفاف، وأكد أنه سوف لا يلقي المسلمين في المهالك ولا يطيل بقاء الجنود طويلا عن عوائلهم، وهو أبو العيال في غيابهم. وأشار إلى المحافظة على أملاك المسلمين الخاصة وعدم الأخذ منها لأي سبب إلا ما شرعه الله (الزكاة) ، وأن لا يذهب من المال العام إلا ما هو مبني على حق. وطلب في خطبته إعانة الناس له على السلوك الإسلامي وعدم إيجاد المشاكل، كما حثهم على إعانته على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعانته أيضا بالنصيحة له في أداء واجبه. لقد تحمل عمر أمام الله مسؤولية وإدارة شؤون الدولة بمسؤولية الراعي لشؤون رعيته، فاختار معه في المهمة من وثق بدينهم فكلفهم بأعمال يرجعون عنها إليه. لذلك مشهود لعمر مركزيته في الحكم وذلك نابع من رؤيته لنفسه على أنه المسؤول، بعد الله، عن كل أفراد الرعية ـ المسلمين. وقد تعدت مسؤوليته هذه حتى للحيوانات، وأوضح ذلك قوله: «والله لو عثرت بغلة في ضفاف دجلة لخشيت أن يسألني الله عنها لم لا تصلح الطريق لها يا عمر؟». بنى عمر نظام الدولة الإسلامية وأدخل عليها مبتكرات من عنده مع الاستفادة من التراث الحضاري الإنساني، عملا بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: «الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها». فعمر بحق طبق ما يسمى اليوم بـ «التنمية الإدارية» في إدارة شؤون دولة الإسلام، وما تزال آثار إدارته باقية إلى اليوم (أنظر كتاب : عمر بن الخطاب وأصول السياسة والإدارة الحديثة، لمؤلفه سليمان محمد الطماوي). منجزات عمر عظيمة وكثيرة شملت مختلف المجالات، وبإيجاز يمكن الإشارة إلى بعض منها. فقد توفرت لدى عمر الرؤية الصحيحة والحكمة والمقدرة التنظيمية لبناء الدولة الحديثة فأدخل فيها الدواوين وأنشأ المرافق العامة المهمة، وضرب العملة. فمن الناحية العسكرية، أقام المعسكرات، وأدخل التجنيد الإجباري للشباب والقادرين، وحرس الحدود بالجند، وأقام قوات الاحتياط، وأوجد ديوانا للجند ورواتبهم، كما أوجد مخازن لأغذية الجيش، وحدد مدة غياب الجند عن زوجاتهم، وأمر قادة الجيوش بتزويده بتقارير عن أحوال منسوبيها، وزود الجيش بأطباء وقضاة ومترجمين ومرشدين. من الناحية السياسية والإدارية فقد قسم عمر الدولة إلى أمصار / ولايات تعود إلى الحكومة المركزية في العاصمة، مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام. وعمل بسياسة «من أين لك هذا ؟»، فكان يحصي أموال عماله وولاته وقادة الجيوش، ويطلب من كل واحد منهم كشفا بأمواله وكيف أتت؟ كما اتخذ بيتا لمال المسلمين وأوجد دارا للضيافة. كما بدأ الوقف، وأخذ زكاة الخيل، وأوجد نفقة للقيط من بيت مال المسلمين، وأقرض الفائض منه للتجارة، وقد مسح الأراضي وحدد مساحاتها وحمى الحمى العام، وأوجد دار التموين للدقيق. من جانب آخر أسقط الجزية عن العجزة والفقراء من أهل الكتاب، وأعطى فقراءهم من بيت مال المسلمين. كما منع هدم كنائس النصارى، وأجلى اليهود من الجزيرة لسوء أعمالهم ضد الدين والدولة. فيما يتعلق في الناحية الدينية، قام عمر بتوسعة المسجد النبوي، وأخر مقام إبراهيم، وجمع الناس في صلاة التراويح، كما جمعهم على أربع تكبيرات في صلاة الجنازة، وأعطى جوائز لحفظة القرآن... وختاما فإنه بالنظر إلى أن عمر تولى الخلافة، والدولة الإسلامية حديثة الولادة، واتسعت رقعتها في عهده بفترة قصيرة عن طريق الفتوحات، هذا مع إحاطة الدولة الفتية بالأعداء، ما كان مناسبا حينئذ أمام عمر إلا العمل بالأسلوب المركزي في إدارة شؤون الدولة إلى أن أوصل سفينتها إلى بر الأمان، والله أعلم.