×
محافظة المنطقة الشرقية

خدمات إلكترونية في بلدية شرق الدمام

صورة الخبر

{ الشاعر السعودي فاضل الجابر، ابن قرية وادعة على البحر، يستزيد من حكايات الجدات والأمهات مخيال النص، صدر له دواوين شعرية عدة كان آخرها «وَحيداً في امتداد خُطاك»، الذي نحن بصد الحوار حوله، لا يعرف ذاته كثيراً وهو بصدد البحث الحثيث عن مكنون الذات والحياة، يرفض كل الكُنى غير اسمه الأول «فاضل»، متماهياً مع نصه حد النسيج، والحيرة في شكل خروج نصه المقبل غير ثابتة.. «الحياة» التقته وكان هذا الحوار.. صورتُكَ، الذكرياتُ التي في فؤادي.. انفلاتكَ مني، وما كنتُ يوماً لأحبس في راحتيَّ المطر! أهو كرم المحب أم استسلام لا بد منه؟ - ربما أكونُ على رغم كل اليأس المتمثل في كتاباتي والخيبات المدونة في أثره مملوءاً بأمل ما لا أحسنُ الاقتصاص كتابياً من وصفه أو صناعة شكل له من طين خيالي، على رغم كل شيء أجدُ فسحة من الأمل تشرق داخلي كل يوم. هذه الصورة والذكريات هي ما يجعلني أعيشُ للغد. > يا موتُ امسكْ جيادكَ ألا تثيرَ غبارَ الحداد، هل ينصت الموت لنا وهو يجر وراءه موجة الذكريات؟ - لا ينصتُ الموتُ لأحد. الموتُ كعالم مفتوح الاحتمالات يثيرُ هوس الغموض للكائن البشري، البعض يستعجل العبور إليه والبعض الآخر يتوجّس خيفة التفكير في دوامة مجاهيله اللامتناهية. عني، ما فتئتُ أتفكر فيه حين يسكنُ اسمي وهيئتي وعبوري اليومي في دروب الحياة. > «تعب الغناءُ وكلَّ عن صوتي الرتيب ...»، أليس الغناء ملاذاً آمناً نركن إليه ساعة التعب؟ - ليس بالضرورة، التعب في حدّ ذاته قد يكونُ لذة، والغناء جلد للذات. وعلى رغم إيماني أن القلق قد يكون برعم النص الأول إلاّ أنه قد «يجثم أحياناً على صدري فلا أحسنُ قولاً أو جواباَ». > في نص «مسالك الوحشة» تذهب للتأكيد «كلها قلب وكلي خدرُ/ حجرٌ يا ربي، كلي حجرُ»، كم مرة مات قلبك أو جربت الموت يا فاضل؟ - أن تموت لا يعني أن يحملك الآخرون جنازة وتغيّب تحت الثرى، توجد أشكال عدة ومتعددة للموت يصعبُ حصرها أو مقاربة تأثيرها ومداها. بين نص وآخر موت للشاعر، أن تنتهي من نص هو بالتأكيد عبورك لنهاية ما ولتكن موتاً يفضي بك إلى دورة حياة أخرى، فالعيش في النص مطولاً هو مأزق يصعبُ التخلص منه. > «الصاحب رقعة قميص الرجل فلينظر كل منكم بما يرقع ثوبه.. الأصمعي»، كم قميصاً خلعت من وجع أو تهتك في حياتك تعباً؟ - أزعمُ أني أتبدل في كل عام، لكن كلما انتزعت المرايا الصورة التي أبدو فيها خيالاً شاخصاً تتناهبه الدهشة في عيني أستشكلُ معرفتي بي أو مقدار تفاوت الصورة عن ما وشمتهُ في رأسي من صور. أظنُ أن روحي تعيش في الماضي حتى لو بدلتُ كل قميص جشِبَ في الفاقةِ أو قشِبَ في الهناء، أنا في كل الأحوال خليطٌ من الطينِ والفزع. > «قلقُ كأني قريةُ هُجرتْ وَآلتْ للخراب»، ما الذي يخيفك أكثر، الغياب الموقت أو الغياب الممتد كالموت؟ - لا يوجد غياب موقت، كل غياب مفتوح على الضفة اللانهائية فلا وثاقةَ أو براهين حتى لقدوم الغد بشخوص تضمن يقين حضورها. المخيف ألا يوجدَ تمرين يخفف وطأة الغياب ومرارته التي لا يمكن حسابها أو التنبؤ بما ستخلفه في قلبك. كلما مخرت عباب العمر كلما اقتص التعب من جبروتك وكبريائك، وسيعييك كثيراً أن تكبر وتجد في كل أخدود ارتسمت به تفاصيلك شخص أسهم في حفره بأزاميل من الخيبات والنكبات والغيابات التي لا حول لك ولا قوة في إيقاف انحسارها بك عن ضفاف الحياة. > الجابر كيف يبني الهندسة المعمارية لشعره وهو المغرم بموسيقى النص كثيراً؟ - كتابة نص لا تشبه المعمار الهندسي بالنسبة لي فأنا لا أبدأ على أرض صلبة اختبرتُ طينتها بمجسات الحسّ الرقمية لأنتهي بعد طبقات عدة من بناء الكلمات وفق ترتيب شكّلته من خرائط مرسومة مسبقاً إلى عمارة محكمة السبك. كتابة النص هو أشبه بالقفز الحر، أقفزُ مغمض العينين أحياناً، حين تهوي منحبس النفس بكامل ثقلك مجتازاً كل التموجات والتخلخلات. > يمتاز شعرك بلغة حميمة وسلسة لا تكلف فيها، من ومن أين لك هذا القاموس من لغة الحمائم والمنافي؟ - بساطة الحياة التي عشت، وطيب الناس الذي غمرني في قرية وادعة تغفو على ساحل بحر تلمّستُ صخوره المصفوفة بحنكة الآلة. أضافت لي نساء الحي حبكة السارد للحكايا فضلاً عن جدتي التي وهبتني خيال المدرك للقصة في أبعادها المبهرة للقص الشعبي وحكمته.. كانت القرية محراب الشعر الأول، وهي كلّ حكاياتي وأساطيري التي تعتمدها مخيلتي في كتابتي أبداً... فكنت أنا لا أحد سابق أو لست من تجربة سلف. > «اسمي رباعيٌّ فقيسٌ ليس اسمي..»، كلنا قيس بأسماء أخرى، من أنت؟ - كلما اهتديتُ لتعريف أعرّفُ به نفسي، انتبذ بي آخر إلى أصقاع لا أعرفُ إحداثيات مكانها أو تضاريس احتمالاتها.. أشكُ في اسمي بعض الأحيان، متنبهاً إلى عدم واقعية هواجسي واختلاط الأفكار بين كل حياة أعيشها منفصلاً بكاملي عن بقية الحيوات. أظن أني أبالغُ شيئاً يسيراً فأنا أعرفُ أني بقدرِ الممكن أحاولُ أن أبقى الإنسان البسيط وابن القرية، لذا أرفض كل الألقاب والكُنى عدا اسمي الرباعي: فاضل. > ماذا بعد «وَحيداً في امتداد خُطاك»، وهل سيتجدد نصك الشعري نثراً؟ - لا شيء على الأرجح، أجدني الآن أطفو على سطح القرار والرؤية «لما بعد» ضبابية بشكل لا يمكنني من ترجيح مسار ما. ما رأيته من سرد افتقد إلى هيئة يتبلور فيها شكلاً أدبياً. أحسبه نصاً انعدمت بصيرته وانكسر عكازه فضلَّ في عماه.