ربما باستثناء السينما التي بدت استيعابية في معظم مراحلها، وأبرز محطاتها، يمكن القول إن مصر بدت مكتفية بنفسها، منغلقة على ذاتها. إذ كان يبدو أن من العسير على غير المصريين، من العرب، من يمكن أن يجد محلاً له في التلفزيون أو الصحافة، سواء أكانت قومية (حكومية)، أو في القطاعات الخاصة، المستقلة، الحزبية وغير الحزبية. يستدعي هذا القول ما يحققه برنامج «الصورة الكاملة»، على قناة «أون تي في»، مع المذيعة ليليان داود التي يمكن أن تشكل نموذجاً نادراً واستثنائياً لإعلامي غير مصري، أمكنه تحقيق هذا الاختراق، في وسائط الإعلام والاتصال المصرية، والاستمرار في الحضور، في شكل بات شبه مألوف للجمهور المصري والعربي، على رغم التنبيه الدائم إلى خصوصية هذه الحالة، وربما غرابتها، على الأقل من خلال عدم اتقان المذيعة داود للهجة المصرية تماماً، وتمنّى لو أنها تكتفي بالفصحى أو البيضاء. ليس مهماً كثيراً معرفة التفاصيل التي فتحت الطريق أمام داود، وأوصلتها إلى القاهرة، فتلك شؤون لا علاقة لها البتة بالقدرة على الاستمرار والحضور والنجاح. الوصول إلى شاشة مصرية تبثّ من القاهرة، هو أمر استثنائي ونادر، ويستحق التوقف عنده والتنويه به... ولكن القدرة على الصمود والاستمرار في الحضور، ونيل نصيب من النجاح، هو الأمر الأكثر أهمية وجدارة بالقراءة والتأمل، ومعرفة كل الأسباب، بدءاً من سؤال لماذا تمتنع شاشات التلفزة المصرية عموماً عن الإعلاميين غير المصريين، وصولاً إلى سؤال كيف يمكنك تحقيق النجاح إذا وصلت إلى شاشة منها؟ وانتهاء بسؤال هل الإعلامي حينها مضطر للكلام باللهجة المصرية العامة؟ يعرف الجميع أن السينما المصرية احتضنت كثيراً من الفنانين العرب، وأطلقتهم نجوماً في سماء الإبداع، وقدّمت لهم ما لم تقدر بلدانهم على أن تفعله، مع التنبه إلى أن السينما المصرية تحوّلت بفعل ذلك إلى «سينما استيعابية»، من هذه الناحية، فقد هضمت أولئك الفنانين، وأعادت إنتاجهم في إطار الصورة المصرية العامة، مع قليل من النتوءات التي كان عذرها يأتي من خصوصية حالتها. فهل يفعل الفضاء التلفزيوني المصري ما يشبه تلك العملية الاستيعابية، أم يكتفي بوجود وافد إلى شاشته، ما بين حين وآخر؟ يبقى برنامج «الصورة الكاملة» أحد أكثر البرامج نجاحاً على الشاشات المصرية، لما يتميز به من قدرة على تناول مواضيع ذات أهمية مصيرية ويومية، وشؤون على قدر من الإلحاح، ومهارة المذيعة ليليان داود في التعامل مع ضيوفها، استضافة، إدارة حوار، وإثارة أسئلة وتعليق وتعقيب. في موازاة العناية المستمرة باختيار الضيوف المناسبين للموضوع قيد النقاش. يبقى أن ثمة تفصيلاً ما غائباً أو ناقصاً، لا يزال في حاجة إلى معالجة، حتى يكفّ الأمر عن كونه نادراً واستثناءً. ولا نعلم أن كان ذاك يتوقّف على اللهجة العامية وحدها؟