كشفت إحصائية حديثة أن حجم التستر التجاري في السعودية يراوح بين 16 و25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعني أنه يصل إلى حدود الـ 236.5 مليار ريال، وذلك مقارنة بالناتج المحلي لآخر سنة للدراسة التي غطت الفترة من عام 1999 إلى عام 2009، موضحة أن نصيب الأنشطة المشروعة من بينها، يقدر بنحو 7.55 مليار ريال. وأظهرت الإحصائية التي وثقها إصدار خاص صادر عن كرسي الأمير مشعل بن ماجد لدراسات وأبحاث قضايا التستر التجاري، أن أهم عناصر التستر التجاري تتكون من خلال الأوزان النسبية من الأنشطة غير المشروعة، التي تتولد عنها دخول حقيقية أو ضمنية لا تخضع لرقابة السلطات الاقتصادية. وأبانت الإحصائية أن الفساد المالي والإداري من خلال الأوزان النسبية يشكل 19.82 في المائة، ويليه الغش التجاري بنسبة 19.39 في المائة، والتهرب الضريبي والزكوي بنسبة 15.2 في المائة، وأنشطة التهريب بنسبة 11 في المائة، وتجارة المخدرات بنسبة 10 في المائة. وإشارات الإحصائية التي وثق دراستها الواردة فيها، الدكتور فاروق الخطيب أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز في سلسلة إصدارات كرسي التستر التجاري الأولى، إنه يترتب على كثير من الأنشطة الخفية غير المشروعة، عدة مساوئ على المستوى الأمني، تتفاعل فيما بينها محدثة اضطرابا في الاستقرار الأمني، والذي ينعكس بالتالي سلبا على بقية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها. وعن أهم الانعكاسات السلبية التي رصدتها الدراسة، قال الخطيب لـ "الاقتصادية": "إن من تلك الانعكاسات عوائد الأنشطة الخفية غير المشروعة التي من شأنها أن تحفز بعض الأفراد على الانخراط في أنشطتها سواء من العاطلين الباحثين عن عمل أو من المقيمين أو من المتخلفين والمخالفين لنظام الإقامة، ولذا يعزى إليها سبب تزايد أعداد المتسللين والمهربين والمتخلفين بعد موسم الحج والعمرة والزيارة". وزاد: "تشجيع ظاهرة العمالة السائبة وظاهرة التخلف بعد موسم الحج والعمرة والزيارة وفي ظل وجود المنافسة بين هؤلاء العمالة على فرص العمل المتاحة، قد يدفع بالبعض ليلجأ وبدافع الحصول على دخل ملائم، إلى الانخراط في سلوكيات غير مشروعة أو ارتكاب بعض الجرائم كالسرقة والنشل والتسول والدعارة والغش والتستر من أجل الحصول على المال". وترى الدراسة، أن وجود هذا العدد الضخم من تلك العمالة قد يشجع على ظهور أنماط من الجرائم المرتبطة بهدف الحصول على المال، مفيدة بأن تدفق العمالة الأجنبية غير النظامية يفاقم المشكلة الأمنية ويزيد من ارتكاب ذات الطابع المرتبط بالمال كتجارة المخدرات والمسكرات وتهريب الأموال والأسلحة والممنوعات والرشوة والتزوير والسحر والشعوذة والجرائم الأخلاقية ولعب القمار، بينما تمثل الحوادث الجنائية النسبة الأقل إذا ما قورنت بالدول الأخرى. وأشارت الدراسة إلى أن انتشار الأنشطة الخفية غير المشروعة تؤدي إلى توغل انتشار الجريمة في المجتمع، وزيادة معدلاتها بما يفوق المعدل الطبيعي وبخاصة الجرائم الاقتصادية، وذلك لكون هذه الأنشطة غير المشروعة هي المصدر الرئيس للأموال غير المشروعة، التي بدورها مصدر تمويل أنشطة خفية وإجرامية جديدة بحكم التغذية المرتدة أو العلاقة الدائرية التي تعمل في الاتجاهين وعلى نحو متضاعف بين الأنشطة الخفية والجرائم الاقتصادية وربما أنشطة الإرهاب". وأردفت: "يزيد من خطورة هذه الجرائم على الأمن الداخلي والقومي والجنائي والوطني إذا ارتبطت زيادة الأنشطة غير المشروعة بتواجد وتزايد العمالة غير النظامية والمتخلفة، وتحولت تلك العمالة إلى تكتلات قادرة على فرض رغباتها كأمر واقع في الدولة". وأبانت الدراسة أن من تلك الانعكاسات، تشويه الاستقرار الأمني للمجتمع بتوفير أسباب الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، فالعوائد كبيرة للأنشطة غير المشروعة تغري البعض بالعمل على الحصول على المال بغض النظر عن مشروعية الوسيلة إليه، مضيفة: "كما أن بعض هذه الأنشطة غير المشروعة قد يرتبط بحركات سياسية وإرهابية تستفيد من عوائدها لتحقيق أجنداتها، وقد تشجع بعض أنشطة التستر التجاري وما تحققه من كسب سريع على إغراء المزيد من قوة العمل للعمل في تلك الأنشطة مما يتسبب في إضعاف قدرة السلطات التنفيذية على تقديم المساعدات الاجتماعية لمستحقيها من ذوي الدخول المنخفضة، ويفاقم من عجزها على الإنفاق على الاستثمارات التنموية، فضلا عن تعميق موجات التضخم وتزايد معدلات البطالة للعمالة الوطنية، وهما مساهمان قويان في ارتفاع معدلات الجرائم المالية وفقا لنتائج الدراسات المتخصصة".