كان المزارعون في القرى عندما يحرثون بالثيران ووقت الدياس يرددون لتوجيه الثور لأقصى اليمين (طرف ، طرف) وينشدون «المطرف كما المريض كل يوم وله عسية» ، ورأيت رأي العين الثيران تستجيب للتطريف أو التطرف رغبة في التوجيه الشفوي العاطفي ، أو رهبة من العرقة التي تلوح بها كف الجلاد. شاركت في اللقاء العاشر لمركز الحوار الوطني ومحوره (التطرف وآثاره) وانقدح في ذهني أسئلة عدة منها لماذا نتطرف؟ صديقي سعيد العولمي يرى أن القسوة في الطفولة تربي في الإنسان ميلا للتطرف بكل أنواعه، وأن من كان مثله ممن حرموا نعمة الأم وتربى على حليب الماعز التي كانت تركله أكثر من مرة حتى ينجح في التقام ضرعها لديهم نزعة تطرف، ويؤكد أنه تطرف كثيرا في حياته خصوصا في العلاقة بضروع الثدييات الأليفة التي ما أن يمر بها حتى ينسى نفسه ويعود ذلك الطفل الذي لم ولن يعرف الفطام، فيما يرد عليه أبو عبدالله بمقولة أحد المفكرين «من لم يتطرف في العشرين فلا قلب له، ومن تطرف بعد الأربعين فلا عقل له»، فيرد العم سعيد «يا مطبب طبب روحك» ويشغب بصوت شجي بعد تحوير بيت المتنبي «فلا أمر بضرع لا أمسده، ولا بذات حليب لا تثير فمي» ، فاستدرك عليه أبو عبدالله ليثبت له أن الغرب تفوق لأن رؤيته التنويرية قامت على الاعتدال والوسطية، قال أبو ساعد : صدقت هذا قبل التوجه للهيمنة واكتساح العالم فقد أغفلوا القيم والأعراف والخصوصيات، فاستشاط أبو عبدالله غاضبا وقال: «الخصوصية الحقيقية ليست راكدة ودائمة بل هي طبيعة مجتمعية وتاريخية لها سيرورة»، فقلت لهما: التطرف هو الشطط في مجافاة الوسط ، وقول الله تعالى: «وكذلك جعلناكم أمة وسطا» تعني جعلنا لكم منهجا وسطا لا جعلناكم بذواتكم لأنه لو جعلنا وسطا لما ظهر فينا متطرفون.. علمي وسلامتكم.