منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم بمصر، دأبت مشيخة الأزهر على الدفع بأعضائها للإشادة به، ووصلت المبالغة في الثناء عليه إلى تشبيه الرجل بالأنبياء، وإصدار فتاوى تُجيز فقء عيون معارضيه، ما يثير تساؤلات حول توظيف الدين لخدمة السلطة وتأثير ذلكعلى البنية العقائدية لدى المواطنين. وتعددت تصريحات المشايخ المشيدة بالسيسي والمهاجمة معارضيه، وآخرها إجازة أستاذ الشريعة بالأزهر الدكتور عطية عبد الموجود للرئيس أن يفقأ عيون المصريين إن كان ينفذ في ذلك شرع الله. وإلى جانب ذلك، أفتى أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الدكتور أحمد كريمة بتجريم ترديد شعار "يسقط حكم العسكر". وذهب أستاذ الفقه بجامعة الأزهر الدكتور سعد الدين الهلالي لأبعد من ذلك فوصف السيسي ووزير الداخلية محمد إبراهيم بأنهما رسولان بعثهما الله لحماية الدين. وقال الهلالي إن الله بعث رجلين هما السيسي وإبراهيم كما أرسل من قبل موسى وهارون. جانب من مظاهرة طلابية ترفض مواقف شيخ الأزهر السياسية(الجزيرة نت) مواقف متناقضة والمتابع لمسار الأزهر قد لا يجد غضاضة في تمرير الفتاوى السابقة، فشيخه الدكتور أحمد الطيب هو نفسه عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل، وخلال السنوات الأربع الماضية تناقضت مواقف الرجلتجاه الثورة. وكان الطيب من الرافضين لثورة 25 يناير، ودعا المتظاهرين للعودة إلى بيوتهم، ولم يتبن نفس الموقف مع الرئيس المعزول محمد مرسي، بل شارك في اجتماع إعلان الانقلاب في الثالث من يوليو/تموز 2013. ورصدت دراسة صادرة عن المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية الاستخدام السياسي للدين. وذكرت الدراسة -التي تحمل عنوان "استدلالات بلا أدلة.. فوضى الفتاوى السياسية والاجتماعية في مصر"- أن مطلقي الفتاوى يسوقون آيات وأحاديث في غير معناها كدليل على صحة ما يروجونه. وقالت الدراسة إن استخدام فتاوى لتوجيه السلوك السياسي انحراف خطير بالدين والفتوى عن المعنى الدقيق والدور الصحيح لكل منهما. وبدوره، أبدى المحلل السياسي أسامة الهتيمي تعجبه من انتقاد المؤسسات الدينية الفتاوى التي يصدرها بعض المحسوبين على تيارات وجماعات العنف، في الوقت الذي يرتكب بعض المنسوبين لتلك المؤسسات الفعل نفسه. وأضاف للجزيرة نت أن بعض الشيوخ الرسميين يطلقون فتاوى بعيدة عن الدين ودون التقيد بالضوابط الشرعية الواجب مراعاتها في هذا الصدد. ورأى الهتيمي أن استمرار حالة فوضى الإفتاء يدفع الكثيرين لتفسير النصوص الدينية وفق الهوى وتعطي للمتربصين بالشريعة فرصة ذهبية لتشويهها. وتلك الفتاوى لها انعكاساتها على الواقع السياسي، فهي تُزيد حالة الاستقطاب بل تدفع عمليا إلى استغلال الدين بشكل سيئ في الصراع على السلطة، حسب قول الهتيمي. وفي حديث للجزيرة نت، قال رئيس المركز العربي للدراسات السياسية الدكتور مختار غباشي إن بعض المشايخ يعتمدون في فتاواهم على الحجة الدينية فقط، بينما ترتبط فتاوى أخرى بمدى صلة مُطلقها بالسلطة. الهتيمي: فوضى الإفتاء تعطي فرصة لتشويه النصوص الدينية(الجزيرة نت) الفتاوى السياسية وأضاف أن المصريين باتوا يدركون الفرق بين الفتوى الدينية ونظيرتها السياسية، والتي لم يعد لها تأثير على مؤيدي أو معارضي السلطة، وفق تقديره. أما أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق الدكتور أحمد عبد الله، فقال إن هناك تفاوتا في استجابة أفراد المجتمع للفتاوى السياسية. وأضاف للجزيرة نت أن استجابة الأفراد تعتمد على تكوينهم الشخصي ومستوى الوعي والنضج وامتلاكهم عقلية ناقدة من عدمه. وأوضحأن رد الفعل المجتمعي تجاه تلك النوعية من الفتاوى يتنوع بين التصديق والتجاهل وطرح الدين كله من الحياة. وقال إن اكتشاف تلون الفتاوى من قبل المتلقين أدى إلى فقدان هؤلاء الشيوخ المصداقية الشعبية. ولاحظ أن وهج المشايخ لم يعد كما كان في السابق، فشهرتهم توارت في الفترة الأخيرة نتيجة تضارب الفتاوى. بدوره، قال وكيل الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية الشيخ فوزي الزفزاف إن فوضى الفتاوى من أخطر المآسي التي يعيشها المجتمع. وطالب في تصريح صحفي وسائل الإعلام بالحذر، كونها تفتح الباب لانتشار فوضى الفتوى. وأوضح أن معظم الشعب المصري يعاني من الأمية الدينية، وبالتالي يتأثر بأي فتوى، مشيدا "بدور مفتي الجمهورية وشيخ الأزهر في تصحيح الفتاوى المغرضة".