×
محافظة المنطقة الشرقية

الإغاثة تؤكد قدرة المملكة على دحر الإرهاب

صورة الخبر

عالم الفنان التونسي أحمد الحجري هو عالم الأطفال الحافل بالتساؤلات والدهشة. حاجته إلى الرسم هي أيضاً حاجة فطريّة، فهو يجد نفسه في أشكال وألوان يجهل ماهيتها ومنبعها. لكنه يبحر فيها، ولا يسعى إلى معرفة معنى هذا الإبحار. يرسم مثلما يتنفّس ويعيش. عندما زاره بعض الفنانين أو المهتمين بالفن، أول عهده بالرسم، وقالوا له إنّ أعماله شبيهة بأعمال الفنان الشهير شاغال، فوجئ وظنّ أنّهم يتحدثون عن حيوان برّي. كانت المرّة الأولى التي يسمع فيها بهذا الإسم، ولكن عندما راحوا يرددونه على مسمعه، ويشيرون إلى ألوانه وأسلوبه في الرسم، سعى عندئذ إلى التعرّف إلى أعماله ووجد تقارباً معه بالفعل. أحمد الحجري (مواليد قرية بتازركة التونسية عام 1948)، يعرض أعماله الجديدة اليوم في باريس، في «صالة دانييل بيسيش» التي سبق أن أقامت له معرضاً عام 2004. عنوان المعرض «مشاهد من الحياة اليومية»، ويضمّ أعمالاً متفاوتة الأحجام. الحجري فنان عصامي يحتل موقعاً خاصاً في مسيرة الفن التونسي الحديث والعربي عموماً، بعيداً عن التيارات الفنية السائدة شرقاً وغرباً. وهو الذي ولد في كنف عائلة فقيرة لم يدرس الفنون، وكان في نشأته بعيداً تماماً عن الأجواء الثقافية التي من شأنها أن تنمّي موهبته، وتفتحه على تجارب الفن الحديث. كان والده نسّاجاً وقد رحل باكراً، ولم يكن الحجري يريد أن يكون مثله نساجاً وبائعاً متجوّلاً في الأرياف. كان يكره المدرسة، ولكي يهرب من الضغوط العائلية، رحل الى فرنسا وكان لا يزال في السابعة عشرة من عمره، فعانى من الفقر والجوع والتشرد والمرض، لكنه أصرّ على البقاء في المهجر وأصبح عاملاً في مجال الكهرباء. المحطة الفاصلة في حياته كانت لقاءه وعمله مع المهندس المعماري الفرنسي رولان موران، الذي اطلع على رسومه التخطيطية فأدهشته بعفويتها وطابعها الطفولي. في عام 1978، أقام الحجري أول معرض له في باريس في «صالة عرض ميسين»، وبيعت جميع الأعمال المعروضة. أما معرضه الأول في تونس، فكان عام 1985. ثم توالت المعارض في باريس وغيرها من العواصم الغربية والعربية، ومنها معرض في «معهد العالم العربي» في باريس عام 2002، وقد حقق الفنان نجاحاً تكرس من خلال عالمه الخاص، الذي يستعيد فيه أحلام طفولته ومشاهد القرية التونسية، وأيضاً عوالم «ألف ليلة وليلة» السحرية والمرويات الشعبية. في معرضه الباريسي الجديد، يظلّ أحمد الحجري أميناً للأجواء نفسها التي صنعت شهرته وأطلقته عالمياً. أما أسلوبه التصويري، فقائم على التلقائية والعفوية المشبعة أيضاً بروح مرحة لم تفقد دهشتها بالعالم ولا حسّها الساخر. أجساد ملتوية بغرابة، حيوانات مختلفة، طيور وأشخاص في وضعيات أليفة تعكس تقارب الإنسان والحيوان. مشاهد متخيّلة كأنها إبنة عالم آخر غير الذي نعيش فيه... غير أنّ هذه الأعمال لا تلتزم المقاييس والموازين المتوارثة في الفنون. فالفنان، هنا، يكسر الأبعاد ولا يأبه للتفاوت الهائل بين أحجام الكائنات التي يرسمها وعلاقتها بالمكان الذي تتواجد فيه. يرسم أحمد الحجري كأنه يحلم وعيناه مفتوحتان، وينقل عدوى أحلامه إلى عين المشاهد. يقدّم استعراضه كبهلوان يسير على علوّ شاهق فوق حبل مشدود، ولا يخشى أن يسقط في الفراغ.