طفت على السطح خلال الفترة الماضية مجموعة من القضايا التي كان من الصعب كشفها لأسباب كثيرة. أهم تلك القضايا هي السرقات الواضحة للأراضي التي أسفرت مطاردة أصحابها عن استعادة أكثر من تريليون متر مربع. هذا التوجه الجريء الذي نسف كل أساليب اللصوص، وكشف كل ألاعيبهم لم يكن ليخلو من الضحايا. لكن الضحية الذي سبب سقوطه هو الخيانة، لا بد أن يتوقع مصيراً كهذا أو أسوأ منه. أين الذين يخونون أماناتهم ويستغلون الوظيفة الحكومية لتعظيم مكاسبهم من قول الله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ". أصبح الناس يتكلمون في أعراض المسؤولين دون تحرج، وما كان لذلك أن يكون لولا أن هؤلاء الذين خانوا أماناتهم تمكنوا واستشرى فسادهم فعم وطم. اليوم تستمر اكتشافات السرقات الكبيرة والمخططات المنهوبة، لكننا نكتشف أن اللصوص هذه المرة اعتمدوا نظاماً مختلفاً لتحقيق مآربهم، وهو استخدام أسماء شخصيات اعتبارية وتزوير الوكالات بأسماء هذه الشخصيات، وبالتالي القيام بالاعتداء على الأراضي وسرقتها، ومن ثم طلب اعتمادها من الأمانة، وبيعها على المواطنين، فجمعوا بين السرقة وانتحال شخصيات المسؤولين. أزالت أمانة محافظة جدة أربعة تعديات في مواقع مختلفة من المدينة خلال الأشهر الأربعة الماضية. ثم جاء مَن سلب مساحة مليون متر مربع في نطاق المدينة، وهو أمر ينذر بضرورة العودة مرة أخرى لتفتيش سجلات كتابات العدل والأمانات والبلديات من خلال عملية دقيقة وشاملة لإصلاح الحال المتردي الذي نكتشف كل يوم أنه استشرى. هنا أعود إلى فكرة سابقة طالبت "نزاهة" بتطبيقها على كل مسؤولي القطاع العام، خصوصاً أولئك الذين تتعلق أعمالهم بالأموال أو الممتلكات سواء كانت عقارات أو أعمالا خاصة. إن اعتماد مبادئ الذمة المالية ومعاييرها التي تطبقها أغلب دول العالم أصبح ضرورة وليس ترفا. تطبيق الذمة المالية وما ينتج عنه من رقابة دقيقة على حركة أموال وممتلكات المسؤولين وأقاربهم من الدرجة الأولى، يجعل القدرة على التلاعب والسرقة والخيانة تنخفض بشكل فوري. هذه القضية لا تتعارض مع مسؤولية الجهات الرقابية الأخرى التي يجب أن تدقق على المعاملات والصكوك وغيرها من الأنشطة التي لا تزال بعيدة عن أعين أجهزة الرقابة المعتمدة في المملكة.