أحمد بن علي الصرخي أكاديمي، كلية الطب جامعة الملك سعود دكتور: حيرتمونا.. تارةً تذكرون أن شرب القهوة يحمي من أمراض القلب، وتارةً تحذرون منها لأنها قد تزيد من مشكلات القلب، ومرةً تتحدثون عن فيتامين (د) وكأنه إكسير الحياة، ثم لا نلبث كثيراً حتى نقرأ أن كثيراً من الفوائد المذكورة غير صحيحة. صراحة (لخبطونا). لا يكاد يجمعني مجلس بين الأصدقاء والمعارف حتى تتقافز مثل هذه الأسئلة من الحاضرين، متسائلين ومستغربين. وكثير منهم يفتون. والحقيقة أنني لا أستغرب مثل هذا الكلام، فمنه ما هو حقيقي له علاقة بالعلم واختلاف العلماء، ومنه ما لا يعدو أن يكون جزءاً من الإثارة الإعلامية التي تقتات عليها قنوات الإعلام المختلفة. ولعلي أُبين في هذا المقال على جزأين بعض أسباب التناقضات الحقيقية التي قد تحصل في بعض الدراسات والأبحاث الطبية. من المتعارف عليه في عرف الدراسات الطبية أنه لا يُعتّد بنتيجة دراسة واحدة كحقيقة مُطلقة ومسلّمة، مالم تصل نتائجها لحد (التواتر)، وذلك يعني عمل دراسات مشابهة في أماكن مختلفة، ذات بيئات متعددة، بأعداد جيدة من المشاركين، فإذا ما اتفقت النتائج بين هذه الدراسات تم الجزم بصحة هذه النتائج، مما يؤهلها لتكون رأياً طبياً موحداً، تقوم على أساسه التوصيات الصحية العالمية. إن السبب الرئيس في تناقض نتائج بعض الدراسات يعود إلى الاختلاف في منهجية وتصميم الدراسة ما بين مركز وآخر، حيث إن تصميم الدراسة هو العمود الفقري لها، وهو ما يحدد مكانها ومدتها وطبيعة المشاركين فيها، وبالتالي ما يصلح تطبيقه في بعض الحالات في أمريكا قد لايصلح تطبيقه لدينا إلا في حالة تشابه الظروف، وما قد يصلح للبالغين قد لا يعني بالضرورة بأنه يصلح مع الأطفال، بل ما قد يصلح للرجال قد لاينفع النساء، وما ينفع المرضى المنومين في المستشفيات، قد لا ينفع مرضى العيادات الخارجية لاختلاف وطأة المرض بين الحالتين. كما أن للظروف المحيطة بالمرضى المشاركين في الدراسة دورا مهما في التأثير على نتائجها، مثلاً إذا أردت القيام بدراسة عن أثر القهوة على صحة القلب، فلا بد من الأخذ في الحسبان موضوع التدخين، حيث تُعتبر عادتا التدخين وشرب القهوة عادتين متلازمتين في كثير من الحالات. ومن جهةٍ أخرى لا يمكننا تجاهل دور زحمة الشوارع مثلاً في دراسة تبحث عن سرعة الاستجابة لنداءات الطوارئ في مدينة مزدحمة كالرياض، وكذلك يجب ألا ننسى دور لون البشرة عند الكلام عن علاقة سرطان الجلد بالتعرض للشمس. إذاً لا بُد أن تُؤخذ مثل هذه العوامل والظروف المحيطة بالدراسة في الحسبان عند تفسير نتائجها. كذلك من العوامل المهمة التي لا ينبغي إهمالها، هي إدراك أن تعامل وتفاعل جسم كل منا قد يختلف عن الآخر. كلٌّ بحسب استعداداته الجينية والأيضية، فما ينفع زيداً، قد لا يُعطي نفس النتيجة لدى عمرو، فتفاعل جسمك مع تدخل علاجي ما، قد لا يشبه بالضبط تفاعل جسمي معه نتيجة اختلاف تركيبنا الجيني واختلاف مستويات الأيض في أجسامنا، ففي حين يؤكد أحدهم فوائد (الحلبة) بالنسبة له، نجد جاره قد أصيب بفشل كبدي بسببها. وسنكمل في المقال المقبل الكلام عن بقية هذه العوامل.