×
محافظة القصيم

بلدية الأسياح أكملت استعداداتها لعيد الأضحى المبارك

صورة الخبر

في العهد الروماني كان لسور المدينة سبعة أبواب. الأبواب كانت تزيد وتنقص كلما جُدّد السور، فتُسد أبواب وتُفتح أبواب أخرى بحيث لم تتجاوز العشرة أبواب. ومنذ مئة عام ونيف ثبتت بواباتها على الرقم سبعة. هكذا هي دمشق: لكلّ عهد أبوابه. تحترف تصنيع الأبواب، وتضييع المفاتيح. أخطر مدينة عرفها تاريخ المنطقة، ذاكرتها مثل أرضها، طبقات وحقب. مدينة فوق أخرى بفارق أمتار بينها، ومن دون محو شيء، مدينة لها بوابات سبع. فلماذا كل هذه الأبواب؟! كيف استثمرتْ جهات أربعاً لتصنع فيها سبعَ ثغرات؟! كيف تعلمتْ مراوغة التاريخ بهذه الطريقة؟! هل تكمن المسألة في أنها تكتيك عسكري، ست بوابات وهمية وبوابة واحدة هي التي تؤدي إلى قلبها؟!.. ثمة وميض خدعة. باب يستسلم للغزاة، وباب تخترمه النصال ويصمد، وآخر يحدق بأعدائه مستخفاً متعالياً، وباب يلاعبهم النرد متظاهراً بأنه سيسمح بالدخول ثم بلحظة أخيرة يوصد نفسه ضاحكاً. من يضمن استسلام بوابات سبع؟ هكذا تبدو دمشق مثل امرأة لعوب: باب يخلص، وآخر يخون، باب يفتح، باب يغلق، وآخر يوارب... بوابات كثيرة للخديعة، وواحد للقلب، وهذا لا يعلم أحد متى تفتحه. وحدها لها امتياز جمع المتناقضات بطريقة مذهلة لا تجرؤ مدينة أخرى على فعلها، وإلا كيف نفسر بأنه يمكن شارعاً واحداً مثل شارع مدحت باشا أن يجمع بين بيت ليهوذا الاسخربوطي ويوحنا المعمدان؟ كما يقول كثير من المصادر التاريخية. الآن... ومن بُعد سأقول كل شيء، سأدلي بكامل اعترافاتي التي أتمنى أن أقولها يوماً عند عتباتك: ها أنا أعتذر منك بطلاقة... غادرتك هرباً من الموت المحتمل والخوف الأكيد، وما أشبه المفردتين «غادر، وغدَر» لكني أمتلك ميزة «الصراحة»، فقد غادرتك لأني خائفة. معاوية بن أبي سفيان الذي جعلك عاصمة لدولته، أليس هو قائل العبارة الشهيرة: «إن أمكنتني الفرصةُ شجاع وإن لم تُمكنّي فجبانُ»... هذه العبارة التي فتنت الشاعر الفرنسي الكبير آراغون ودوّنها في الصفحة الأولى من كتابه «مجنون إلسا». ماذا أفعل وكل الفرص المتاحة لي تضعني في خانة «الجبناء»؟ ربما من الذكاء أن يكون أحدنا جباناً حتى حين، فغالباً من يبدون «أبطالاً»، هم مشبوهون في شكل ما. سيأتي يوم وعند بواباتك لن أتلعثم يا دمشق. ماذا ينبغي لي أن أقول أو أفعل؟ هل أقدم لك أضبارتي مرفقة بنبذة عن حياتي. نبذة مختصرة ؟ أنا التي تعلمت كيف أختزل طول حزني وأسوّيه وفق الطلب. تعلمتُ الكتابة بوضوح متجاهلة كل الضباب الذي ظلّ مناخاً ملازماً لحياتي. فهل أملأ استمارة روتينية، مثل أي سائح عابر قرأ عنك في ألف ليلة وليلة؟ «الاسم، الكنية، العنوان، العمر، لون البشرة، سنة الميلاد»... سترين أنه لم يتغير شيء! فقط تضاءلت الأحلام والآمال!. ماذا أفعل مع مدينة تريد أن تقابلني كما لو أنّ شيئاً لم يحدث؟ كأن كل ذلك الوقت المكدّس بيني وبينها لم يحدث! كما لو أنني كنت وراء الباب وحسب! ماذا تقولين؟ أحتار ماذا أسجل مما قلته سابقاً! وما تقولينه الآن وما ستقولينه مستقبلاً. أحتار ماذا أسجل من أقوالك. أأكتب ما تتحدثين عنه؟ أم ما تصمتين عنه؟ ثرثراتك الفارغة منها والممتلئة؟ أيّ شيء ستتذكرين عنّي؟ أيّ شيء ستنكرين؟ كما لو أنني سقطتُ مصادفة على عتبة واحدة من أبوابك. مازلتُ أسقط وأتعثر. مازلت أتعلم المشي. أَدخليني. خذي اقرأي كم من الورق ملأت عنك! تكلمي، لا تجيبيني بزرع المزيد من الجدران والأسوار والأبواب المواربة. أهكذا تعاملين الفانين مثلي؟ ليست كلّ المدن تستحق العودة، لطالما أردتُ نسيانك، أردت السباحة في الاتجاه المعاكس، مع التيار المخالف، البعيد، القصي، ولكن نسيت زعانفي عندك. تركت خلفي كل ما ليّ، ما لَكِ ،ما لَهم. بلى سآتيكِ وبصيص شموع كنائسك يضيء لي النفق المعتم الذي لم أفعل في حياتي غير الضياع فيه. تستحضر ذاكرتي رائحة بخور مساجدك، وغموض معبدك الوثني المخبّأ في أساسات جامع بني أمية. هناك لم يزل يتجوّل معبود الإغريق «زوس» بين أروقة الجامع مع غيره من الأولياء القريبين منه. مدينة تعجُّ بأضرحة الأولياء ومدافن الصالحين. ربما تفيض بكل هذه القداسة لتواري ماضيها بمهارة؟ تماماً كما الجميلات يفعلن عندما يعمدن إلى تشويش تاريخهن المترع بالعشاق لخاطر العاشق القادم على طريق بزَغ فجأة، وربما يؤدي إلى البوابة الثامنة المفقودة.