لكي ننتج تعليمًا مثمرًا، لابدّ أن ننهض بالمعلم. وهو شرط لم يغفل أحد ضرورته، والمناداة به منذ أن بدأت الدعوة لإصلاح التعليم في البلاد تتعالى، وإذا كانت العملية التعليمية، تقوم على ثلاثة: مبنى، ومنهج، ومعلم، فإن حجر الأساس فيها هو المعلم. والغريب أن التعليم عندنا في بداية تكوين الدولة، وظهور المدرسة الحديثة، شهد جيلاً من المعلمين، لا يزال يعيش في ذاكرة الأجيال المحظوظة التي تلقت تعليمها على أيدي أولئك الأفذاذ. كان المعلم فضلاً عن قيامه بدور المربي الحقيقي، عالمًا موسوعيًّا وجادًّا، منحته كل تلك القدرات، هيبة ورهبة لا في عيون تلاميذه، بل وفي عين المجتمع. ولم تؤثر العصا أو الشدة في إنجاب أجيال جادة. ويعطينا الدكتور عزام الدخيل وزير التعليم أملاً، حين أعلن في بداية تسلّمه أمانة التعليم، أنه سيكون مع المعلم.. لا لإعطائه حقوقًا فقدها، بل ليكون المعلم في مستوى طموحات الجميع. وينقل لنا الوزير من واقع اهتماماته بالتعليم تجربتين ناجحتين. ففي اليابان التي حققت مستوى متقدمًا في كل شيء، نصت خطة الإصلاح التي قدمتها وزارة التعليم، بضرورة تحسين كفايات المعلم. أن تصبح معلمًا في «اليابان» لا يتم ذلك بالمصادفة. وانتقاء معلم في «فنلندا» يمر باختيارات صعبة، على المرشحين أن يجتازوها. المحظوظون في الدول المتقدمة هم الذين يظفرون بهذه الوظيفة. وقد مر التعليم عندنا، بفترة كانت وظيفة المعلم، وظيفة من لا يجد عملاً في غيرها.. يكفي أن تحمل شهادة بكالوريوس في أي تخصص، ليقذف بك إلى مدرسة تتصدّى فيها لتعليم الأجيال، دون اعتبار لتوفر أدنى المقومات التي تجعل منك معلمًا. وربما اضطرت إلى ذلك ظروف التوسع السريع في التعليم الذي شهدته البلاد منذ عقود. مرة ثانية.. إن اعتراف وزير التعليم بالمعلم، ووعده بأن يكون معه، يعطينا أملاً في إنشاء جيل جديد من المعلمين، يقدر على مواكبة التقدم الذي تحرزه البشرية في كل يوم، وما يحمله المستقبل من مفاجآت!!