كان عمراً طويلاً ولم تزل بعْد المسافة فيما بينهما بعيدة هذا إن نكن قد شاركناهم: المضمار الذي عليه يركضون.! لكن لماذا هذا التاريخ بعينه (1867)؟ سأوجز الإجابة بما يلي: في ذات التاريخ صدر كتاب: أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك لخير الدين التونسي - وأحسب أنّ الكتاب والمؤلف لهما من الشهرة لدى القارئ ما يُغني عن التعريف بهما -، إنما الشيء الذي من أجله أدرت رحى هذه المقالة، هو أنّ تلك الفترة شهدت تطوراً (سياسياً) ملحوظاً سواء على جغرافية: السلطة العثمانية نفسها، أو في تونس وبعض البلدان العربية، وكان في تلك الحقبة شيءٌ من مقاربة استنساخ: النموذج الأوروبي في جملة من محاور إصلاحية، أتت على مراحل تدفع بالاتجاه نحو تفاؤل إلى أنّ العرب قد يكونون شيئاً ذا بال، في حال ارتفع عندهم منسوب: الوعي بأسباب (الإصلاح)، إضافةً إلى عملٍ إجرائيٍّ يُنزّلون فيه: وعيهم واقعاً.! وهذا ما لم يكن. اقرؤوا معي بضعة أسطرٍ مما جاء في كتاب: أقوم المسالك للتونسي، لعلّنا نتلمّس شيئاً من الوعي الذي عنيته - في تلك الحقبة - من خلال هذا النص التالي والذي كتبه التونسي قائلاً في سبيل وصفه لما كانت عليه الممالك الأوروبية بأنّها في الأساس مجتمعات برابرة ثمّ يعقّب بالنص كاتباً:.. وهم على أفظع حال من التوحش والاعتداء والجور.. ولا يجوز اعتبار تطوّر الغرب ناتجاً عن اعتدال في الأقاليم، إذ قد يوجد في أقسام الكرة ما هو مثلها أو أحسن، ولا أنّ ذلك من آثار ديانتهم، إذ الديانة النصرانية، ولو كانت تحث على إجراء العدل والمساواة لدى الحكم، لكنها لا تتداخل في التصرفات السياسية... ولئن سألنا: خير الدين التونسي على أي شيءٍ قامت نهضة الغرب فإنّ إجابته حاضرة بتوكيده على أنّهم أقاموا نهضتهم على التنظيمات المؤسسة على: العدل السياسي ووفق تعبيره الأدق كتب الآتي: (وملاك ذلك كله الأمن والعدل اللذان صارا طبيعة بلدانهم. لم يشأ: التونسي أن يفوّت في هذا السياق تشخيص الأسباب التي انتهت جراءها: الخلافة العثمانية إذ أرجعها إلى: .. فقدان التنظيم، وسيادة الظلم على العدل، والاستبداد على المشورة، وذلك وفق تعبيره الذي يعود إلى ذلك التاريخ القديم. فهل أنّ شيئا في العرب قد تغيّر؟! نقلا عن مكة